الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

من كتب.. كذب

يقول أحد التابعين: «عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي من الله»، هذا هو الجواب لسؤال: لماذا لا يصل ما نكتب ونقول ونحلل إلى الناس إلا قليلاً؟

إننا نعظ ولا نتعظ، لأننا أو جلنا نكتب ليقال كاتب جيد ورائع، ونقول ليقال قائل ومحلل ومفكر متميز، لأننا نريد أن نكون معلمين، ونرفض أن نكون متعلمين، لأن منصة المعلمين مزدحمة ومقاعد المتعلمين خالية، لأننا نكتب رغبة أو رهبة في الناس ومن الناس لا رغبة في الله ورهبة منه، لأن لكل قارئ ألف كاتب وليس العكس، لأن عدد الكُتاب والقوالين مئة ضعف عدد القراء والمتابعين، لأننا نسب ونتجاوز ليقال إننا معارضون شجعان، ونمدح ليقال إننا وطنيون مخلصون، لأننا نكتب نقلاً عن بعضنا بلا فكر ولا موقف ولا رأي، لأننا لا نتناول قضايا تعطي ما نكتب ونقول بقاء ولكننا نتناول أشخاصاً وفرعيات تجعل عمر ما نكتب ونقول قصيراً جداً.

إن الذين قدموا فكراً ومواقف وآراء وقضايا ما زالت كتاباتهم وأقوالهم بيننا رغم مرور مئات السنين، والذين قدحوا أو مدحوا منذ يوم أو يومين مات ما قالوا وما كتبوا في المهد، وكان الشاعر الراحل نزار قباني يقول وما زال قوله ماثلاً:


إذا قيل عنـــــي أحس كفـانــي ولا أطلــــب الـشــاعــــــر الجيــــدا


إن أزمة العرب الحقيقية هي عدم الإحساس بما نقول ونكتب، تأخذنا العزة بالإثم والجهل، ونفكر عن طريق بعضنا وننقل ما يقوله الآخرون ولا نعيد النظر في مسلمات وبديهيات خاطئة ومتهافتة، استقرت في عقول وقلوب عليها أقفالها.

ولأن العرب صاروا جميعاً إعلاميين بأقلامهم وألسنتهم وصفحاتهم على المواقع، ولأننا أدمنّا الإثارة والتهييج لإضافة مكسبات لون وطعم ورائحة لأطعمتنا الفاسدة، ومن أجل الصراع على عيون وآذان القراء الذين هم أساساً مثلنا بلا عقول ولا قلوب.

إن ثقافة الزحام والتدافع لا بد أن تؤدي إلى سلع وأفكار وآراء فاسدة ورديئة، فلا أحد لديه الوقت في هذا الزحام لإعادة النظر فيما يقرأ وما يسمع، لا أحد لديه في ظل هذا الزحام فضيلة التدقيق والتحقق وإعادة النظر، لذلك سادت الرداءة والأفكار الفاسدة التي لا تصمد أمام منطق أو إعادة نظر، وساد الكذب حتى صار أعذب ما نكتب ونقول أكذَبَهُ، وفي ظل هذا الزحام والتدافع لابد أن يقال أن: من كتب كذب!