الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أحمد راضي.. 100 عام من الصدمة

الأسبوع الماضي كان أسبوعاً عراقياً صعباً للغاية، ومن فرط مرارته جلب إليّ لعنة عبارة قديمة كنت قد أهملتها منذ وقت بعيد، وردت على لسان الكولونيل بوينديا أحد أبطال غابريل غارسيا ماركيز حين وجه كلامه إلى أورسولا العجوز:

«قولي له: إن المرء لا يموت عندما يتوجب عليه الموت، وإنما عندما يستطيع الموت».

في هذه الأيام، التي تشبه كثيراً تلك الأيام التي قرأت فيها «100 عام من العزلة» لأول مرة، قررت أن أعود إلى ماركيز، إلى عالمه الفريد الذي بإمكانه أن يحشرني في نفق ضيق داخل الزمن الفضفاض، وهو يحيط بنا مثل هواء قديم، تيقنت هذه المرة أن ماركيز يعيش حياة أبطاله نيابة عنهم، يحبهم كأفراد عائلته، يحتفي بولادتهم ومماتهم بطقوس خاصة يبتكرها لكل منهم.

هو لا يتركهم يموتون دون أن يحرك لهم الطبيعة بجلال يليق بهم، فقد أبى أن يغيب ريميديوس الجميلة عن الوجود بهذه البلادة اليومية التي نموت فيها، بل جعلها تمسك بملاءة بيضاء، وهي تجففها تحت الضوء ثم ترفعها فجأة وسط خفقان الملاءات فوق طبقات الأثير.

قبلها ودع بيترو كريسبي في مأتم مهيب، ثم طغمه بصمت عميق يعبق برائحة داستها الأقدام، وظلت لوقت طويل تشم عند الغروب، رائحة عطر الخزامى.

أما عن موت خوسيه أركاديو بوينديا، فقد واصل ماركيز سحره عندما جعل السماء تمطر رذاذ أزهار صفراء صغيرة، ليتواصل هطولها على القرية طوال الليل، في عاصفة صامتة حتى حلّ الصباح على الشوارع وهي مغطاة بفراش كثيف منها، اضطر الناس الى إزالتها بالرفوش والمجارف من أجل أن تمر الجنازة.

قبل أيام ودع العراقيون واحداً من أبطالهم، لاعبهم الأسطوري أحمد راضي، ودعوه بالدموع والأسى المر، ربما لأنهم شعروا أن أحمد لم يستطع الموت جيداً، فقد كان حاضراً بشبابه الشاخص في حياتهم حتى لحظاته الأخيرة، غير أن نادي الزوراء، قرر أن يرفع الرقم 8، الذي اشتهر به أحمد من قمصان الفريق وإلى الأبد... وعلى طريقة ماركيز، تخيلت أن آلاف، ملايين، بل مليارات من الرقم 8، تصعد نحو السماء بهدوء مهيب، ثم تهطل فوق قبر أحمد راضي مثل المطر.