السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مجتمع القراءة النسوية

القراءة النسوية مهمة لكنها قد تكون تعويضاً غير معلن عن الحياة الفعليّة للمرأة

يبدو، من خلال كثير من الإحصاءات العربية والدولية كاليونيسكو، إن المقروئية النسوية العربية اتّسعت كثيراً في العقدين الأخيرين، بشكل يكاد يكون فجائياً في مظهره الخارجي، وهذا التحول العميق، يخفي وراءه أسئلة شديدة التعقيد تستحق التبصر والتأمل.

طبعاً، ليس الأمر مدعاة للانزعاج الذكوري ما دام يرتكز على الأرقام، إضافة إلى كون الحقيقة ماثلة أمام أعيننا من خلال إحصاءات معارض الكتب عربياً وعالمياً، حيث أثبتت أن القراءة النسوية أقوى وأثبت وأكثر ديمومة، حتى لو اقتصرت على بعض الأسماء من الكتاب والمبدعين والتجارب الجديدة التي فرضتها الوسائط الاجتماعية.


الأسباب كثيرة، منها ما هو اجتماعي، وما هو نفسي، فهي في هذه الإبداعات الروائية تحديداً، شريك يمكن أن تحادثه من دون خوف، وتتماهى معه بشكل كامل خارج مؤسسة الرقيب الاجتماعي والديني وأحياناً، السياسي.. الكتاب يمنحنا أيضاً تفسيراً لمعاناتها الداخلية، إذ يصبح النص وسيلة حيوية للتوغل في الذات، ومحاولة فهمها في عالم لا يعير المرأة كبير اهتمام، ويراهن على قيم الشرف كلما تعلق بالمرأة، ويتناساها كلما تعلق الأمر بالرجل.. فهو الرجل فوق الشكوك والظنون، مع أنه وراء كل جريمة شرف، وهو رجل الغواية أيضاً.


يكفي أن نتأمل الموضوع قليلاً لنكتشف اختلال التوازن القضائي والقانوني، وكأن الرجل معصوم في كل الأحوال. لم نسمع إلا نادراً، جريمة شرف كانت المرأة وراءها انتقاماً من زوجها مثلاً.

لقد انفجرت المقروئية النسوية بشكل ملحوظ، في كثير من البلدان العربية لدرجة أن أصبح الناشر يراهن عليها كليّاً في معارض الكتب، فلا ناشر يريد أن يتخلّف عن معرض الرياض مثلاً، أو أبوظبي، أو الكويت، أو غيرها، ليس فقط بسبب ارتفاع المبيعات هناك، ولكن لأن المقروئية فيها في تصاعد.

ويمكن تفسير ذلك بتصاعد الجانب التعليمي والثقافي للمرأة في العالم العربي، وفي بلدان الخليج تحديداً، إذ نجد، في المجال التكويني، الجامعي تحديداً، نسبة العنصر الأنثوي أكبر بكثير من العنصر الرجالي، ففي القسم الواحد الأدبي والفني نجد ما يقارب 75% شابات، بينما يذهب الشباب نحو المواد العلمية أكثر وإدارة الأعمال وغيرهما، وهذا محدد من محددات مؤشر المقروئية.

المكوث الكثير في البيوت لبعض العينات النسوية، بعد الولادة، أو لأسباب بعض العادات والتقاليد، يجبر فئة اجتماعية نسوية على التعويض الخارجي بالقراءة واكتشاف العالم عبر الروايات.

في معارض كثيرة للكتب، لاحظت ذلك شخصيّاً، كيف تأتي الشابات لشراء الروايات لهن ولصديقاتهن وأصدقائهن، وأحياناً يفاجئك رب العائلة بتوقيع الرواية ذاتها لزوجته وأخته وابنته.. إن أمراً مثل هذا يستحق بعض التأمل الفعلي.

القراءة النسوية، بقدر ما هي مهمة وجيدة، تثبت في بعض حالاتها، شيئاً آخر قد يكون خطيراً، وهو تعويض غير معلن، الحياة المادية والفعلية للمرأة، بحياة الكتب.. القراءة قيمة روحية وحياتية عالية القيمة، ولكنها لا تعوض مطلقاً الحياة الحقيقية بكل صعوباتها ومشقتها.