السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الهاشمي.. وملحمة الدم في العراق

يقول الزميل حازم الأمين في مقال كتبه على موقع «الحرة» مُحللاً كمية الرعب في تداعيات اغتيال الخبير والمحلل العراقي هشام الهاشمي في بغداد قبل أيام: (..الانتقام لهشام لن يكون فعلاً مجديّاً إذا ما تمَّ في ظل ثقافة القاتل وفي ظل منطقه.. العدالة التي ستُشفي الأطفال الذين قتل والدهم تحت شرفة المنزل الذي كانوا فيه، هي أن يوفر لهم العراق فرصة للاقتصاص ليس من القتلة فحسب، إنما من قيم القتلة ومن ثقافتهم).

الفكرة المرعبة التي شخّصها الأمين، ويفكر فيها كل كاتب تسول له نفسه انتقاد منظومات القتل «المقدس» باسم الدين والتي تقودها مافيات التطرف في المشرق العربي، أساسها أن القتل أصبح مجانياً ومتاحاً كأداة سهلة لا لأجل القتل بحد ذاته، بل ـ وهذا المرعب أكثر ـ لإيصال رسالة لمستهدفين من الصعب قتلهم، أو ليس قتلهم هدفاً أصلاً، لكن إيصال الرسائل لهم، صار يحتاج إلى وسيط على شكل جثة تغرق بالدم، تلك الجثة هي الرسالة، وتلك الجثة قد تكون ـ مثل المرحوم هشام الهاشمي ـ أي واحد منا.

كنت ممن التقوا هشام في تونس قبل عامين، وكان رجلاً هادئاً حاد الذكاء، يعشق العراق ويؤمن بالدولة، وحين أشاهد الطريقة الخسيسة في قتله، أفكر كثيراً في تلك المنظومة التي يغرق فيها بعض بلدان الشرق الأوسط بفعل التطرف والتعصب، والأجندات التي من أخطرها تلك الأجندة الإيرانية التي استطاعت عبر سنوات الغفلة أن تغرس بذور ميليشيات مسلحة صارت أكبر من أي مشروع دولة ممكن، بل وصارت ترسل رسائلها مدمغة بطوابع الدم، ولا شكراً لسعاة البريد القتلة.


ما يحدث في العراق، وهو كبير جداً، يعطينا لمحة مستقبلية عن ممكنات حدوث ذلك في سوريا أيضاً ذات مستقبل قريب، فخيط الدم الموصول بالتاريخ المقدس هو دوماً سريع الاشتعال، وطويل وعصي على القطع إلا بالوعي، عدو كل هذا الجهل.


هي معركة طويلة بين حشود مغيبة تصر على حضور محكمة عبثية لا تنتهي بين علي ومعاوية، وجمهور آخر سئم القتل ويرغب في الحياة ما استطاع إليها سبيلاً.

كل ما كان يطالب به المرحوم هشام الهاشمي دولة ذات سيادة بالقانون، وهذا يعني بالضرورة أن تختفي وتتلاشى تلك القوى المسلحة من كل الأطراف، وهذا أيضاً يعني ردم الخنادق وتسوية الأرض لبناء الدولة الواحدة للوصول إلى حكم القانون، وحده لا شريك له.. فالدولة، بمعناها المؤسساتي السليم، هي ألا يحدث ذلك كله.