الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«صلاح ستيتية».. وإشكالية اللغة العربية

رحل عن الدنيا الكاتب الفرنكفوني اللبناني صلاح ستيتية (شاعر، وناقد فني وأدبي، ودبلوماسي) في 19 مايو الماضي عن عمر يناهز 90 عاماً في باريس، ونعاه الإعلام الفرنسي واصفاً رحيله بخسارة عظيمة للثقافة الفرنسية والعربية، ووصفه الوزير الفرنسي السابق جاك لانغ بـ«الكنز»، كنز الثقافة الفرنسية الذي وضعه في مصاف كبار شعراء فرنسا أمثال راسين وهوغو وبودلير وفاليري ومالارميه، وكفى للعرب فخراً أن يكون أول عربي يترأس «المؤتمر العالمي للشعر» المنعقد في مدينة لياج ببلجيكا (عام 1988)، بحضور 1500 شاعر.

لقد استطاع ستيتية أن يترك بصمات خالدة في الثقافة الفرنسية بشعره المبهر والغزيز وفكره المضيء باللغة الفرنسية، مستلهماً من شرق الروحانيات في وطنه لبنان ومن الحضارة العربية والإسلامية وجذورها الثقافية وينابيعها الروحية ولا سيما عند ابن عربي والحلاج والرومي وابن الفارض.

وقد جاءت ثمرة جهوده الشعرية والنقدية والفكرية في 60 مؤلفاً باللغة الفرنسية وعدد كبير من المؤلفات المشتركة، وترجمات لقصائد الشعراء العرب مثل: أدونيس والسياب وغيرهما، إلى الفرنسية.


اختار ستيتية الفرنسية ميداناً لجولاته الإبداعية والفكرية، ولكن الهوية العربية والإسلامية ظلت حاضرة بقوة في فكره وثقافته ما أعطى لكتاباته نكهة مميزة عند الغربيين، وبحسب أدونيس فكان ستيتية يفكر ويكتب ويكتشف بالفرنسية، وكان يحلم ويرى ويتنهد بالعربية، لقد مدّ الجسور بين الحضارتين وعمل سفيراً للثفافة العربية في الغرب.


كان أول عهدي بصلاح في عام 2008 حين قرأتُ حواراً له مع صالح دياب في موقع قنطرة، صرّح فيه بسبب اختياره للفرنسية، قائلاً: إن اللغة العربية لغة عتيقة ومتحجرة وغير ملائمة للتعبير عن الأفكار والمفاهيم الجديدة، خصوصاً في مجال الشعر، ودعا شعراء العربية إلى إيجاد لغتهم الشعرية، وقد استفزني كثيراً رميه اللغة العربية بالعقم والعجز، خصوصاً أنها سيدة الألسن لعدة قرون، واستطاعت أن تحوي معظم معارف عصرها، واستحضرتُ قصيدة حافظ إبراهيم «لسان حال اللغة العربية» وأيقنتُ أنه أحد أولئك المنبهرين بالغرب والمصابين بمركب نقص شديد.

ثم تيسّر لي أن أقرأ عنه أكثر، فوجدته ينهل من الشرق أكثر من الشرقيين أنفسهم، ويكتب عن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بثقة وحب، ويدافع عن الإسلام في «نور على نور: الإسلام المبدع»، ويغرف من إرث آبائه وأجداده، وأدركت حينئذٍ أنه اختار الفرنسية للتعبير ليستطيع من خلالها الوصول إلى القراء الأوسع في الغرب، حيث المبدع يُقرأ ويُقدر ويُكرّم ويُكافأ على عكس العالم العربي، الذي يواجه المبدع فيه ألواناً من التهميش والإهمال.