الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

اتحادات الكُتَّاب العربية.. مؤسسات متهالكة

مرة أخرى، يستثيرني هذا الموضوع لسبب بسيط هو: أن النداءات والصرخات لا تصل، في عالم عربي كل يوم يتآكل أكثر، ويسير نحو تراجيديا شديدة الخطورة يصنعها الأفراد، لكن المؤسسات القائمة أيضاً، منها المؤسسات الثقافية.

تاريخياً، تظهر المؤسسات وتختفي، استجابة للحاجة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بوصفها منتجاً بشرياً لا أكثر، تتوقف عندما تصل إلى سقف عطاءاتها.

في العالم العربي تتخذ المؤسسات طابع القداسة، فترتبط بمصير القطاع الذي تمثله، إذ لا شيء يتغير وكأن المجتمعات التي مرّ على وجودها الحديث أكثر من قرن، لا تحتاج إلى دم جديد لكي تنتقل متخلصة من كل المعوقات الممكنة.


البرنامج المدرسي في المؤسسة التعليمية مثلاً، يبقى كما هو، لأن تغييره سيضر بالأطفال، والكل يعلم أن البرنامج في وادٍ والحياة، التي تغيرت كثيراً، في وادٍ آخر، وهو لا يعكسها مطلقاً.


أتذكر، سنوات، بعد إعلان التعددية في الجزائر، بعد أحداث 5 أكتوبر 1988، ظل الحديث في الكتاب المدرسي، عن حزب جبهة التحرير بوصفه الحزب الوحيد والأوحد في الجزائر، بينما كانت الساحة السياسية تعج بستين حزباً، ويمكن أن نقيس على ذلك الكثير من الظواهر العربية، حتى إن النظام الهيكلي الذي كان من وراء جانبها التنظيمي، انتفى بسقوط النموذج السوفياتي في السياسة والإدارة، وبقيت هي وكأن شيئاً لم يحدث في العالم، بقيَ خطابها ومفرداتها وتسميات شكلها التنظيمي كالنظام الداخلي، المكتب، مجلس الاتحاد، الأمانة العامة، غيرها.

ولم تخرج عن هذا الجانب المتهالك حتى المؤسسات الثقافية كاتحاد الكتاب الذي يستمر ميتاً أحياناً، وتبعيّاً في أحيان أخرى دون القدرة على التوقف وإعادة النظر في التنظيم، لهذا يسبقنا السؤال الذي لا يمكن تفاديه: ماذا تشكل اليوم اتحادات الكتاب العربية في نسق الجهد المجتمعي للخروج من دائرة التخلف، في عالم عربي في عنق الزجاجة؟ هل لاتحادات الكتاب دور ولو صغيراً، في عملية التحولات الصعبة، ما دامت مشكَّلة من نخب ثقافية، الكثير منها عُرف بدوره الثقافي المميز والريادي أحياناً؟

الرعيل المؤسس مات، والثاني تشبث بالاتحادات بوصفها المنقذ في ظل عجز وزارات الثقافة التاريخي عن أداء أي دور، والثالث حوّلها إلى سلم طويل يعلوه متشبثاً به، فقط ليصبح مرئياً، والرابع يحاول بعبث نفخ الروح فيها لأسباب متضاربة، على الرغم من الصعوبات، وينسى أن الموت عندما يسكن جسداً ينتهي فيه، وأن أي جهد يُبذل لإعادته للحياة هو إسهام في تفسخ جثة الاتحاد، التي تصبح رائحتها قاسية، تُبعد عنها كل الذين ما تزال حواسهم تعمل على الأقل.

لأن زمننا الذي نعيشه اليوم عطَّل اشتغال كل الحواس، نرى (البصر) البؤس ونصمت عليه.. نسمع (السماع) نداءات الاستغاثة ولا نتحرك.. نلمس (اللمس) كل يوم تمزق الجسد العربي ونغفو في حرير القومية المتآكلة.. نشم (الشمّ) العفن، ونلتفت صوب الفراغ، حتى تعودنا على الروائح الكريهة ولم تعد تثير جيوبنا الأنفية.