الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الصحافة.. القراءة وضعف المحتوى

كلما دار نقاش وبادر أحدهم فيه مستشهداً بالصحف كنمط وحيد لقراءته، ومكتفياً بها عن سواها من الكتب؛ وجدت نفسي أتذكر قولاً منسوباً للإنجليزي جورج برنارد شو متهكماً فيه على الصحافة: «لا فرق لديها بين حادث دراجة نارية وسقوط حضارة»، وهو الذي لا يفهم منه سذاجتها كواقع فهذا خطأ، فبالتأكيد فيها الرصين والرزين وكذلك الصحف الصفراء، ولكن المعنى الخفي وراء هذا الوصف هو التأكيد بأنها تبالغ في الأحداث والوصف من منطلق جذب القارئ، كما أنها قد تخلق حدثاً وواقعة من لا شيء حتى تجد ما تتحدث عنه في صفحاتها، وهو شأن لم توجد صحيفة مهما كانت مهنيتها لم تقع فيه وترتكبه، وإن كان ذلك بالطبع سمة لبعضها، إلا أنها جميعاً تشترك في كونها لا تتوجه صوب شريحة واحدة من القراء وإنما لجميع فئات المجتمع، ساعية لإرضاء جميع الأذواق، وفي الوقت ذاته ضمان المدخول المادي الكافل لاستمراريتها ودفع تكاليفها وتحقيق الأرباح.
مالكوم إكس، الناشط الأمريكي الراحل، كان له بدوره وصف أكثر حدة، حين قال: «الصحف ستجعلك تبغض المقهورين وتحب من يمارس القهر»، وهو الوصف الذي ينطبق بالطبع على الصحافة الموجهة غير المستقلة، وبالتحديد الحكومية أو السائرة في فلكها في الدول الاستبدادية والأوليغارشية، حيث لا يوجد رأيان يحتملان الاختلاف بدون خلاف، وإنما الرأي الواحد وخلافه خروج على الخط الرسمي الداعي للمنع والملاحقة الرسمية.
قراءة الصحف كالوجبات الخفيفة والمقرمشات المتخللة للوجبات الأساسية ضرورية لإبقاء الجسد والروح متيقظة، لكنها وكما تحدثنا سابقاً يجب ألا تكون فقط ما نقرأه، ولا تغني أبداً عن الكتاب، ليس فقط لمحدودية مواضيعها واختصارها، وإنما أيضاً لما وصلت إليه من تبسيط في اللغة المستخدمة فيها، والتي تدنت عن السابق، وأصبحت أقرب للعامية أو الفصحى الدارجة وليس اللغة العامرة والعبقة بجمالياتها ونحوها وبلاغتها، في توجه يتماشى مع تدني القدرات اللغوية الشعبية وميلها للبساطة أكثر من البلاغة من جهة؛ وأخرى لضعف المحتوى المقدم في العديد منها نتيجة نقص توظيف ذوي الخبرة والمقدرة الصحفية، لعدة أسباب اقتصادية وسياسية ومجتمعية، جميعها تسببت بانحدار المستوى، وليس كما يشاع بسبب التكنولوجيا وثورة الإنترنت وانحسار القراء، وإن صح ذلك، إلا أن المعضلة الحقيقة تكمن في انعدام البيئة الجاذبة نتيجة ضعف المحتوى والتكرار والإسفاف والتبعية.