الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المعرفة السوداء

يعتمد البشر على رصيدهم المعرفي، الذي يساعدهم على التقدّم في كافة المجالات، فمثلاً بدأ الإنسان الأول بتطوير جوانب معيشته منذ اكتشافه للنار، وترتّب على ذلك ازدياد نشاطه ليلاً، واستخدم النار للتدفئة والطهي، ثم تطوّر استخدامها بعد ذلك كمصدر من مصادر الطاقة وتشغيل الآلات وسباكة الذهب.

غير أن الإنسان الأول لم يكن يملك تيرمومتراً لقياس درجة حرارة الأشياء التي تتعرّض مباشرة للنار، فلعلّه اكتوى بلسعاتها ليكتسب معرفة حسّية تؤكد له أن الحرارة (أو طاقة النار) حرّاقة، ولها وجه ضار كما لها وجه نافع، فلا يوجد شخص عاقل اليوم، سواء كان متعلّماً أو غير متعلّم، سيستخدم يديه لقياس درجة الحرارة المرتفعة للأشياء، بل سيستخدم تيرمومتراً يوضّح له الدرجة، وبالتالي سيجنّب نفسه خطورة هذه الطاقة.

والعلم أحد مكوّنات المعرفة، وله شروط صارمة وأخلاقيات إنسانية، فلا يمكن على سبيل المثال، تفجير منطقة ما باستخدام قنبلة نووية بهدف دراسة آثار هذه القنبلة على الطبيعة والإنسان، فهذا وإن كان سيضيف إلى الرصيد المعرفي إلا أنه ـ أخلاقياً وإنسانياً ـ لا يجوز قبوله تحت أي ذريعة، لأن الهدف الأساسي من المعرفة هو خدمة الإنسانية، وإن اختفى الهدف أو انحرف عن مساره، باتت المعرفة ضارة، مخيفة وسوداء.


إذن، هناك طرق عديدة لاكتساب المعرفة، وليس على الإنسان المتحضّر اليوم أن يسلك سلوك الإنسان الأول في سبيل الحصول عليها. بل لو استطاع أن يُبدع في خلق مسار ممتع وإيجابي لرحلته المعرفية، لكان ذلك محفّزاً للتقدم والتطور، وأدعى لشحذ الطاقات الذهنية، وجذب الناس إلى نورها والاستزادة منها. فالمعرفة كالنار، طاقة إذا لم تحسن استخدامها أحرقتك، وإذا سخّرتها لك أضاءت كونك.