الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العنف الأسري.. والكرامة الفردية

لم تخبرنا الدراسات الأنثروبولوجية التي تعاملت مع الشعوب «البدائية» شيئاً عن العنف الأسري، على الرغم من أن معظمها ينطلق من أول حادثة هي قتل الأب من قبل الأبناء، لإقامة نظام قرابة معروف.

وهي حادثة مفترضة غير واقعية، ليس لها أصل تاريخي محدد، ولكنها مهمة لدراسات العلاقات الاجتماعية وتوصيفها على أسس تطور المجتمع الأمومي إلى المجتمع الأبوي، الذي تتركز فيه السلطة في شخصية الأب، ومن خلاله يكتسب الأبناء معنى وجودهم الاجتماعي.

وخلال دراستي الأكاديمية، أطلعت على تطور الأسرة وتوزيع الواجبات بين أفرادها وتعاطفهم فيما بينهم، وهي علاقات يسودها الدفء العاطفي والاحترام المتبادل، لذلك أعتقد أن «العنف الأسري» ظاهرة جديدة على تاريخ البشرية، ولدت مع ضغوطات الحياة الحديثة التي وضعت الإنسان، بما هو عليه كإنسان، في مركز الاهتمام ومنحته كرامته الشخصية واعتباره المعنوي وحريته الفردية، ومن أجل ذلك شرعت القوانين التي تحمي وجوده وحرمة جسده من الأذى، الذي يقع عليه من أي شخص آخر.

الأمر المهم في ظاهرة «العنف الأسري» هو كيف ينقلب الود والمحبة الغريزية لأفراد العائلة إلى«عنف» يقع ضحيته بنسبة أكبر الفرد الضعيف بدنياً في الأسرة - كالطفل والمرأة؟، ومن أين ولدت هذه القدرة على إلحاق الأذى الخطير بأقرب الناس إلينا؟، ولماذا نُسمِّي هذه الأفعال عنفاً وليس جرائم اعتداء خطيرة؟، ولماذا يرفض البعض تشريع القوانين التي تحد من هذه التصرفات كما يحصل في العراق هذه الأيام؟

الموضوع من وجهة نظري، يتعلق بالوعي المجتمعي فيما يخص أهمية الكرامة الشخصية وحقوق الإنسان، لأن «العنف الأسري» ليس مفصولاً عن الوضع العام للمجتمع ورؤيته لمعنى كرامة الفرد، فنحن نواجه تصاعداً في مستوى هذا السلوك، كلما وجدنا العنف ينتشر في المجتمع انطلاقاً من العنف اللفظي والاستهانة العمدية بكرامة البشر، فالأسرة الواحدة ليست كياناً مغلقاً ومنعزلاً عن المحيط، بل إنها الوحدة الاجتماعية التي تتغذى من هذا المحيط وتغذيه وتتبادل معه الأدوار.

ينتهي كل أنواع العنف، ومن بينها «العنف الأسري» عندما نبدأ بتهذيب ألفاظنا وتنظيم سلوكنا تجاه بعضنا، عندما تصبح كرامة الإنسان هي أول الخطوط الحمراء في أفعالنا وآخر ما نحتاج أن نطالب به.