الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الحسين العراقي

لدى معظم الأمم العريقة تراثها الوطني البطولي، الذي يطبع ملامح شخصيتها بدرجة يصعب معها التفريق بين قصة الأمة وقصة أبطالها.

والحسين بن علي، حفيد النبي المصطفى، هو قصة العراق المُتجدِّدة، التي تنتقل عبر الأجيال، وتطبع تلك الملامح الحزينة والعنيدة في الفرد العراقي.. فنحن نولد ما بين النهرَين على هدهدة أصوات أمهاتنا الغارقة في الحزن النبيل، ونمضي في الحياة لنفسِّر الأحداث على ضوء تلك الواقعة المأساوية، التي حصلت على أرضنا قبل 14 قرناً.

وإذا كان الشهيد العظيم يخصُّ عواطف المسلمين كلهم، ففي العراق هو الذي يُشكِّل هذه العواطف بطريقة لا تعرف النهايات، فنحن، وعلى الدوام، نعيد تكرار التراجيديا الحُسينية في وجداننا، ولا نشعر بهويتنا الوطنية دون أن ترتبط أعماقنا بشكل لا شعوري باسم الحسين.

وعندما أقول الحسين العراقي، فإنني لا أرغب في فصله عن التاريخ العام للمسلمين، ولكن التاريخ العاطفي لقصتنا يختلف جذرياً عن غيره، فالمشاعر لها تاريخها المتفرد الذي لا يتوقف عند الأحداث كما هي، وإنما يسيل منها على هيئة تدفقات متتالية من الألم الإنساني والحزن الذي يتحوَّل إلى هوية.

في كل سنة لدينا شهر محرم الخاص بنا، لدينا شهرنا الذي تتركز فيه أحزاننا وتنبثق دموعنا نقية نحو السماء، ويتصعَّد نشيجنا المر، كأننا شهدنا الحدث وعشناه بالتفصيل.. كأننا نحن الذين نشبه قصتنا هم من تألموا في الحدث المهول.. كأننا نحن الحسين، فهو نشيدنا الحماسي وقبلتنا الشجاعة وثورتنا التي لا تُهزم.

العراق والحسين علاقة لا يمكن فهمها وتأويلها وتفسيرها.. يمكننا فقط سلوكها كحياة متواصلة، والمضي بالتعبير عنها وعيشها كما تحدث، هي ذلك الشاب الذي حمل الراية في أكتوبر الماضي وقال وسط أزيز الرصاص: لا أريد الحياة من غير كرامة.. هي ذلك الصوت الهادر، والعنوان الكبير، والقصة المتواصلة في ساحات الحرية.

نحن لا نبالغ في العناد، لا نغالي بالدموع.. نحن نتعلم في أكاديمية عظيمة مكتوب على بابها: «كونوا أحراراً في دنياكم».