الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الصحافة الورقية.. التعايش والمصير

عرف البشر، قديماً، وسائل إعلامٍ كالنقل الشفوي للأخبار والمعلومات، وقرع الطبول لإعلان الأحداث المهمة، ثم ظهرت الكتابة التصويرية نحو الألف الرابع قبل الميلاد لتتطور في شكل الكتابة الأبجدية في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ورُوِّض الحمام الزاجل لنقل المعلومات.

وبعد ظهور مطبعة غوتمبيرغ في منتصف القرن الـ15 الميلادي، نشأت الصحيفة (الحديثة) كوسيلة اتصالٍ جديدةٍ ظلَّت تحتكر التأثير في الرأي العام حتى العقد الثاني من القرن الـ20، حين ظهرت الإذاعة التي تطوَّرت من بثٍّ محدودٍ إلى بثٍّ شمل العالم عبر الموجات القصيرة، قبل انتشار التلفزيون في خمسينيات القرن العشرين.

ثم جاءت الشبكة (الإنترنت) التي أنتجت جيلاً جديداً يُسمى «الإعلام الرقمي» الذي يعد ثورة كبرى في مجال الاتصال البشري، فأصبحنا نعيش في عالم افتراضي لا حدودَ له.


وظلَّت أجيال وسائل الإعلام تتعايش جنباً إلى جنب، دون أن يقضي بعضها على بعضٍ، رغم أنه بعد ظهور كلِّ وسيلة جديدة اعتقد الناس أنها ستقضي على التي سبقتها، لكن هذا لم يحدث، بل أثبتت التجارب والمشاهدات أن كلَّ جيل جديد يُعزِّز قدرات الأجيال السابقة ويحقنها بدماءٍ جديدةٍ تُتيح لها فرصة التطوُّر والتكيُّف، فالصحيفة والإذاعة والتلفزيون والإعلام الرقمي، بل حتى وسائل الاتصال الشفهي، ما تزال تتعايش وتتكامل ويعزِّز بعضها بعضاً، رغم التقدُّم المذهل للثورة الرقمية.


نعم، لن تستمر الصحيفة الورقية والكتاب الورقي في احتكار القُرَّاء، بل ستستحوذ الصحيفة الرقمية والكتاب الرقمي على سهم وافر منهم، ولا سيَّما القُرَّاء الكسالى، لكن سيظل للصحيفة الورقية والكتاب الورقي دورهما في تنوير القارئ وتطوير قدراته الفكرية والنقدية، أما الصحافة الرقمية والكتب الرقمية، فوجبات سريعة لا تمد القارئ بغذاءٍ صحيٍّ متكاملٍ، فمن يقرأ صحيفته أو كتابه من شاشة الحاسوب يجد نفسه تحت سيطرة الآلة، أما المادة الورقية فهو سيِّدها.. يتحاور معها بهدوء ويتعامل معها بنظرة نقديّة لا تتوفر له في المادة الرقمية التي تُحوِّله إلى رقمٍ أو أداةٍ أو قارئٍ كسول.

نعم قد تقل أعداد النُّسخ الورقية وتوزيعها، لأنها موجَّهة إلى نخبة نوعية، لكن الصحف ستُطوِّر نفسها من حيث الحجم، والإخراج، والمحتوى، لكي تخرج بشكلٍ رشيقٍ ومستجيبٍ لحاجاتِ القُرَّاء وأذواقهم المتنوعة، وأعتقد أن صحيفة «الرؤية» متجهة هذا الاتجاه.