الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سفينة الحمقى

صدرت رواية «سفينة الحمقى» للكاتب الألماني سيباستيان برانت عام 1494، وهي تعود إلى القرن الـ15 حيث كانت بعض المدن الأوروبية تجمع من تطلق عليهم «الحمقى» في سفينة كبيرة ترميهم في البراري البعيدة، ليهيموا على وجوههم، أو تبقى تدور بهم في عرض البحار، وبذلك تكون قد تخلصت من إزعاجهم إلى الأبد.

وعندما أتخيل هذه القصة الغريبة، أتساءل مع نفسي: كيف يتفاهم الحمقى فيما بينهم وهم على ظهر السفينة؟ والأهم من هذا هو كيف تعيش مدينة خالية من الحمقى؟

لا أعرف كيف يدرك الناس الذين لم يصعدوا إلى هذه السفينة، أنهم ليسوا حمقى أيضاً، لأن العاقل لا يعرف أنه عاقل إن لم يكن هناك مجانين يقارن نفسه معهم، ويعرف أن سلوكه مختلف عنهم.

تعريف الحمقى في العصور الوسطى يختلف عن تعريفنا هذه الأيام، إذ كان الناس يعتقدون أن أي شخص يتصرف بطريقة غير معقولة بالنسبة لهم هو أحمق، ملعون من السماء، ولا يستحق البقاء بينهم، وفي أيامنا، كلمة أحمق تشير في أكثر الأحيان إلى بعض تصرفات الفرد، وليس لشخصه هو.

الحمقى هذه الأيام يتمتعون بكامل حريتهم، بل إنهم يمنعون المختلف عنهم من ممارسة حريته، ويتدخلون في خياراته بالحياة، ومن علامات الأحمق أنه يمتلك رأياً جاهزاً يصلح في أن يجادل به في كل مجالات المعرفة، ويطرح رأيه في كل الأمور خلال بضعة ثوانٍ، وأحياناً يقوم بتعليق سريع، وهو يتناول وجبة طعامه.

في رواية سيباستيان برانت، الحمقى الذين صعدوا إلى السفينة يعتقدون أنهم ذاهبون إلى الجنة الموعودة، ومعهم في نفس السفينة مئات الكتب، لو أنهم قرؤوا بعضها في رحلتهم الطويلة لعرفوا أنهم في طريقهم إلى مدينة بازل لا إلى مكان آخر، ولكن لماذا يقرأ الأحمق إذا كان يعتقد أنه يعرف كل شيء؟.

أحياناً يكون الحديث مع الحمقى ممتعاً وجميلاً ومسلياً، فهم يجعلوننا نفكر خارج المعقول، لكنهم في أكثر الأحيان يحتلون الحياة، ولو كان الأمر بأيديهم لأرسلونا نحن في «سفينة الحمقى».