الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

المدينة والثقافة.. وعُمان

إن الهُوية عملية دينامية متغيرة بفعل التطور والتحول الحضاري للمجتمع، إلا أنها ليست مغلقة أو ثابتة، لأنها مرتبطة بعمليات الإبداع المستمر للإنسان وللمجتمع المبني على تراثه الثقافي الذي تستمد منه تنوعاته بصورة واعية ومحددة، فالهُوية الثقافية لا يؤسسها المجتمع إلا ضمن مؤشرات الانتماء التي تجعل من الثقافة المجتمعية والرؤية الحضارية أهم تلك المؤشرات التي توصل إلى بناء الثقة في الوطن وفي إمكاناته، وبالتالي الانتماء لحضارته وتأسيس ثقافته.

ولعل انشغال المنظمات العالمية بالهُويات الثقافية رغم تأسسها على مبدأ الهُوية العالمية (العولمة)، يبدو واضحاً من خلال مجموعة من المبادرات، مثل إطلاق عواصم الثقافة التي انطلقت في أوروبا عام 1983، بهدف الارتقاء بالثقافة بمبادرة من وزيرة الثقافة اليونانية، لتكون أثينا أولى العواصم الثقافية الأوروبية في عام 1985، حتى تتبنى اليونسكو هذه التجربة وتوسع نطاقها، هكذا انطلقت عواصم الثقافة العربية والإفريقية، ثم الإسلامية وهكذا.

ولعل اختيار إحدى المدن العربية عامة والخليجية خاصة عاصمة للثقافة العربية أو الإسلامية يجعلها نموذجاً للتنمية الثقافية، ليس بوصفها محط أنظار العالم وحسب وإنما بوصفها حاضنة حقيقية للمشروعات الثقافية التنموية، ولهذا فقد كان اختيار (مسقط) عاصمة للثقافة العربية عام 2006، و(نزوى) عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2015 مثلاً، وما صاحب ذلك من مبادرات تنموية ثقافية مجتمعية واسعة النطاق، هدفاً لإنتاج مجموعة من المشروعات الثقافية أبرزها على الإطلاق التنمية الثقافية والابتكارية لدى فئة الشباب بشكل خاص.


ولقد كان لسلطنة عمان تجربة تنموية في مثل هذه المبادرات لا تقوم على (الثقافة) وحسب، وإنما تشمل جوانب التنمية الأخرى بما يضمن الحفاظ على الهُوية الثقافية الوطنية من جهة، وتنمية قدرات الشباب الابتكارية من جهة أخرى؛ وتتمثل هذه التجربة في الاحتفال بالأعياد الوطنية في المدن العمانية وما يصاحب ذلك من مناشط تنموية متعددة، فبالإضافة إلى الاحتفال في العاصمة مسقط، تم الاحتفال بالعيد الوطني الـ22 (عام الصناعة الثاني) في ولاية صحار عام 1992، والاحتفال بالعيد الوطني الـ24 في ولاية نزوى عام 1994، والاحتفال بالعيد الوطني الـ26 في ولاية صور عام 1996.


وهكذا أصبحت للتنمية الابتكارية في المجالات التنموية المتعددة قدرة على إبداع فكر قادر على إنتاج مبادرات تتوافق مع النهضة الحديثة المتطلعة للابتكار والذكاءات الاصطناعية في مختلف المجالات، والحفاظ على الهُوية الوطنية الثقافية، الأمر الذي يجعل من نتائج هذه المبادرات والمشروعات التنموية أساساً لتحقيق الأهداف التنموية في الرؤية المستقبلية للسلطنة.