السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الرواية النسوية.. والهوية الإنسانية

يكتسب العمل الأدبي صبغة عالمية إذا امتلك سمات إنسانية قادرة على تجاوز القارات والثقافات واللغات، والتعبير عن حالات إنسانية مشتركة ليس لها وطن سوى الألم والمعاناة والحلم والألم، ورواية «10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب»، للكاتبة التركية إليف شافق، ترقى لأن تكون عملاً أدبياً إنسانياً، من حيث بنيتها الغنية ببانوراما متعددة لحالات إنسانية مشتركة بين الشعوب، ولمعالجتها الفنية الواعية لبناء الشخصية المتألمة والمنبوذة، وكيف تتعامل مع العالم الرافض لوجودها.

تنقسم بنية الرواية إلى قسمين، القسم الأول الذي يبقى فيه دماغ ليلى التكية على قيد الحياة لمدة 10 دقائق و38 ثانية، وقد ألقي بها جثة هامدة في إحدى القمامات بعد قتلها، فيسترجع دماغها مختلف تفاصيل حياتها التي كان للحواس مثل التذوق والشم دور كبير في استشعار طبيعة الحياة في كل مرحلة، والقسم الثاني الذي يحاول فيه أصدقاء ليلى إخراج جثتها من مقبرة الأرقام، التي يُدفن فيها مجهولو الهوية من المهاجرين واللقطاء والذين تخلت عنهم أسرهم، ونقلها إلى مقبرة تليق بمحبتهم لها، إلى أن ينتهي بهم المطاف برميها في البحر لأنه المكان الأفضل كي تتحرر فيه روحها.

ليلى تفر من أسرتها إلى اسطنبول وتتورط في العمل في الدعارة، وتتعرف على 3 صديقات إحداهن متحولة جنسيّاً والثانية مهاجرة من إفريقيا تم خداعها، والثالثة فرت من سوريا بسبب العنف الأسري، وتعمل راقصة حالياً، ثم يلتحق بها صديق الطفولة من بلدتها ليشكلوا 5 أصدقاء يجمعهم التضامن والتفاهم وسط الظروف القاسية التي عاشوها.


والرواية تسلط الضوء على معاناة مختلف النساء المهمشات اللاتي احتوتهن اسطنبول، فالمكان الواحد لا يستطيع صهر الجميع في هيئة واحدة، ولا يمكنه تطويع المختلفين ليغدوا صيغة واحدة، المكان فقط، يدخل الشخصيات المتناقضة في دائرة معاناة، ويجبرها على خوض صراعات متعددة لإثبات الذات ولتحقيق البقاء.


الرواية من الاتجاه النسوي الذي يتفهم معاناة النساء ويتقبلهن، ويدافع عنهن أمام أزماتهن الاجتماعية وأنواع العنف والازدراء التي يجابهنها، والرواية تدعو إلى التعاطف مع النساء اللاتي تنزع عنهن الهوية الإنسانية بإقصائهن اجتماعياً ثم قتلهن ودفنهن في مقابر الغرباء، واستغلال المرأة ثم ازدراؤها هو نظام اجتماعي واحد في العالم كله، وإن تعددت صوره، وهو ما يرفع الرواية إلى مستوى الإنسانية، لأن جوهر الرواية يلامس كل النساء المتألمات وينصت إليهن وينتصر لهن.

الرواية تستحق القراءة، واستيعابها كحالة تدرك أن المرأة ما تزال الكائن الأضعف والأكثر عرضة للانتهاك والابتزاز.