السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حياتنا في «عصر الكاميرات»

يبدو المشهد طبيعيّاً للوهلة الأولى.. امرأة وطفلاها يعبرون أحد الجسور في بغداد، وهي لا تدري أن ثمَّة كاميرات تراقبها، والطفلان الصغيران لا يدريان إلى أين تذهب بهما هذه الأم الشّابّة.

إذا كان لعصرنا هذا من تسمية، فهو ليس عصر الـ«سوشيال ميديا»، وانما هو عصر كاميرات التصوير التي تراقب حياتنا بالتفصيل، وأحيانا تنتظرنا لكي نموت.

تتقدم الأم الشابة قريباً من سياج الجسر، تلقي نظرة على جريان النهر، لا يعجبها المشهد فتواصل طريقها ببطء وترقب.. تغادر مساحة الكاميرا الأولى إلى كاميرا ثانية، لا أحد سواها فوق الجسر، كل شيء هادئ في المكان.

نحن جميعاً تحت رحمة الكاميرات، في الشارع، في المولات، في محطات القطار، في المطارات، وفي المقاهي. حياتنا مكشوفة للكاميرات من أجل حياتنا.. فقدنا تلقائيتنا لكي تحمينا الكاميرات من الشر.

الكاميرا تراقب ولا تتدخل، إنها تُؤَرْشِفُ الأحداث بكل برود، وتحفظ يومياتنا في «الهارد دسك»، وحين نموت فهي تقول كيف متنا، لكنها لا تقول دائماً وبصراحة: من هذا الذي يقتلنا.

تتوقف الأم الشابة عند السياج، تلقي نظرة أخيرة لتتأكد أن المياه تجري مسرعة في النهر.. ترفع صغيرها وترميه من وراء السياج، كمن ترمي طعاماً للأسماك، تلتقط أخته وتلحقها بشقيقها، وتواصل طريقها لتختفي من المشهد.

الكاميرا لا تبكي على الطفولة المرمية في النهر، حيث الغرق يستعد بكامل قسوته لالتقاط البراءة.. تتوقف العدسة عن العمل منذهلة، وتنزل دموع الملائكة من سماء بعيدة، وتسقط في النهر.

واصلت الأم طريقها كما لو أنها تخلصت من عبء أثقل كاهل أمومتها الملوثة، فيما واصلت العدسات مهمتها في تصوير الحياة كما هي.. إنها لا تفرق بين طالبة تمضي الى المدرسة، أو عامل يبيع الخضار على الأرصفة، وأم استيقظت صباحاً وقررت التخلص من صغارها.

الحياة لم تعد وديعة بما يكفي، ولم تعد الشوارع آمنة، ولا الجسور أليفة، ولا البيوت هانئة، وعندما كفّت ضمائرنا عن اللوم مَـلأْنَا الحياة بالكاميرات التي تراقبنا بصمت.