من عاش في عشرينات القرن يذكر جيداً أن العالم بدأ يتغير جذرياً، فالعلاقات الاجتماعية أخذت شكلاً آخر، والسلام والتحية اختلفت آليتهما، صحة البشر في تلك الحقبة باتت محل بحثٍ ودراسة وتحليل ونقد، ولم تسلم النتائج من الشائعات، ما أدخل الناس في خلط.وبات الناس لا يعرفون الحقيقة من الكذب، حتى فقدوا الثقة بكل ما يسمعون ويقرؤون، الحذر غطى كل السلوك البشري، التناول والتعاطي والتبادل المعرفي والاختلاط بالبشر، وكذلك تلقي المعلومات، فكان شعار «الحذر ثم الحذر» هو المعمول به من قِبل الجميع، الشك لم يترك لليقين محلاً ولا للإيمان مكاناً، ولا للتصديق مجالاً، كانت مرحلةً من عُمْر البشرية لا تشبه ما سبقها، فكل من عايشوا المراحل السابقة، وكانوا شهوداً على هذا التحول الحاد في مسيرة البشرية، يذكرون نمط حياة تختلف كلية عما آلت إليه.تخيلت أنني طويت الزمن، وذهبت إلى ستينات القرن الحالي، فنظرت من زاوية 2065 إلى الخلف، ورأيت الزمن الذي نعيشه هذه الأيام، وما اعتراه من تغييرات نقلت البشرية من حال إلى حال، من الإيمان واليقين إلى الشك، من العلاقات الاجتماعية إلى التباعد، ومن هدوء واستقرار نفسي إلى ارتباك وتأرجح وذبذبة وتردد شملت كل نواحي الحياة.تأثر فيها التعليم وتربية أبنائنا وصحتنا، ونوعية الغذاء الأسلم وفي غالبيته لا سلامة فيه نتيجة التدخلات في تركيبته بواسطة الهندسة الوراثية، حتى خارطة العالم والتغيرات المتوقعة نتيجة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، وما ينتج عن ذلك من اختفاء مدن ساحلية وانكشاف مناطق جليدية.هذه المقالة كتبتها لأنشرها بعد 40 عاماً، لكنها العجلة التي جُبِل الإنسان عليها.
تونس.. ومعركة الإعلام

كاتب صحفي تونسي. حاصل على شهادة الأستاذية في التاريخ.
صحفي في جريدة العرب الدولية منذ أكتوبر 2012.
له كتابات في مجلة الهلال، وجريدة الأهرام، ونشرية مقاليد، فضلاً عن كتابات في صحف تونسية عدة.
قد يبدو النقاش، الذي استعر مؤخراً في تونس حول قطاع الإعلام، نقاشاً أقرب إلى الترف السياسي، أو هو سجال سياسي بعيد عن اهتمامات التونسيين ومشاغلهم، لكن التمعن في تفاصيل المشهد السياسي يبين أن البلد إزاء حرب ضروس مدارها الإعلام، بين أطراف وأحزاب دينية، وبين نقابات وبقية المدافعين عن ضرورة حماية الإعلام وحرية التعبير من التدجين ومن السيطرة الحزبية.
ولئن تعتبر محاولات السيطرة على وسائل الإعلام محاولات قديمة بدأت منذ عام 2012، مع وصول حركة النهضة إلى السلطة، وهي محاولات تجلَّت في الحملات العنيفة على الإعلام، وصولاً إلى الاعتصام أمام مقر التلفزيون الرسمي، إلا أن المعركة الأخيرة هي الأكثر احتداماً وعنفاً، واندلع فصلها الأخير مع تقدم ائتلاف الكرامة بمشروع قانون لتعديل المرسوم 116 الصادر منذ عام 2011، والذي ينظم قطاع الإعلام، ويهدف مشروع ائتلاف الكرامة لإلغاء القيود المرتبطة بالترخيص والاكتفاء فقط بالتصريح.
الكلام هنا عمّق الممارسة السياسية، حيث رابطت الترويكا الحاكمة (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس) في مواقعها المصرة على ضرورة تعديل المرسوم 116.. إصرار حزبي قُوبل برفض مبدئي من نقابة الصحفيين، وجُوبه بمقاومة مبدئية من أحزاب وكتل ديمقراطية، اعتبرت مقترح القانون مقترحاً خطيراً وغير دستوري، ويشرّع للفوضى في قطاع الإعلام، ويصبّ في مصلحة القنوات التلفزيونية غير القانونية، وكلها قنوات محسوبة على حركة النهضة وكذلك على حزب قلب تونس.
الاعتراضات على مقترح القانون كانت كثيرة، بدءاً من الموقف المبدئي القائل: إن قطاع الإعلام لا يمكن أن يدخل في منطق اقتصاد السوق باعتباره مرفقاً عاماً له مسؤولية مجتمعية، وصولاً إلى القراءات السياسية التي تقدّر أن الدعوة إلى تنقيح المرسوم بتعلية تحرير قطاع الإعلام، يهدف بصفة واضحة إلى تحقيق المحاصصة الحزبية، لا إلى تحرير الإعلام.
عجز الائتلاف الداعي لهذا التعديل عن تمرير مشروعه في البرلمان، وعبر الرئيس قيس سعيد عن رفضه للمشروع، لكن هذه المعركة وبقدر ما حققت من وحدة تضامنية مع الإعلام من قبل القوى التقدمية والنواب المؤمنين بحرية الصحافة والإعلام، فإنها أثبتت أن حركة النهضة وحلفاءها يُكنّون عداء دفيناً للإعلام الحر، ما يعني أن هذه المعركة ستليها معارك مقبلة.
حركة النهضة وتوابعها، لا يريدون تحرير الإعلام كما يُسوّقون، بل يبتغون إعلاماً قابلاً للسيطرة، خاضعاً للمال السياسي الفاسد، ومرتهناً للأجندات السياسية، ولعل السيطرة على الإعلام تمثل مفصلاً أساسياً من التمكين الذي تكابد النهضة من أجل تحقيقه.
ولئن تعتبر محاولات السيطرة على وسائل الإعلام محاولات قديمة بدأت منذ عام 2012، مع وصول حركة النهضة إلى السلطة، وهي محاولات تجلَّت في الحملات العنيفة على الإعلام، وصولاً إلى الاعتصام أمام مقر التلفزيون الرسمي، إلا أن المعركة الأخيرة هي الأكثر احتداماً وعنفاً، واندلع فصلها الأخير مع تقدم ائتلاف الكرامة بمشروع قانون لتعديل المرسوم 116 الصادر منذ عام 2011، والذي ينظم قطاع الإعلام، ويهدف مشروع ائتلاف الكرامة لإلغاء القيود المرتبطة بالترخيص والاكتفاء فقط بالتصريح.
الكلام هنا عمّق الممارسة السياسية، حيث رابطت الترويكا الحاكمة (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس) في مواقعها المصرة على ضرورة تعديل المرسوم 116.. إصرار حزبي قُوبل برفض مبدئي من نقابة الصحفيين، وجُوبه بمقاومة مبدئية من أحزاب وكتل ديمقراطية، اعتبرت مقترح القانون مقترحاً خطيراً وغير دستوري، ويشرّع للفوضى في قطاع الإعلام، ويصبّ في مصلحة القنوات التلفزيونية غير القانونية، وكلها قنوات محسوبة على حركة النهضة وكذلك على حزب قلب تونس.
د. واسيني الاعرج
18 يناير 2021
الاعتراضات على مقترح القانون كانت كثيرة، بدءاً من الموقف المبدئي القائل: إن قطاع الإعلام لا يمكن أن يدخل في منطق اقتصاد السوق باعتباره مرفقاً عاماً له مسؤولية مجتمعية، وصولاً إلى القراءات السياسية التي تقدّر أن الدعوة إلى تنقيح المرسوم بتعلية تحرير قطاع الإعلام، يهدف بصفة واضحة إلى تحقيق المحاصصة الحزبية، لا إلى تحرير الإعلام.
عجز الائتلاف الداعي لهذا التعديل عن تمرير مشروعه في البرلمان، وعبر الرئيس قيس سعيد عن رفضه للمشروع، لكن هذه المعركة وبقدر ما حققت من وحدة تضامنية مع الإعلام من قبل القوى التقدمية والنواب المؤمنين بحرية الصحافة والإعلام، فإنها أثبتت أن حركة النهضة وحلفاءها يُكنّون عداء دفيناً للإعلام الحر، ما يعني أن هذه المعركة ستليها معارك مقبلة.
حركة النهضة وتوابعها، لا يريدون تحرير الإعلام كما يُسوّقون، بل يبتغون إعلاماً قابلاً للسيطرة، خاضعاً للمال السياسي الفاسد، ومرتهناً للأجندات السياسية، ولعل السيطرة على الإعلام تمثل مفصلاً أساسياً من التمكين الذي تكابد النهضة من أجل تحقيقه.
الأخبار ذات الصلة
باسمة أبو شعبان
18 يناير 2021
مؤيد الزعبي
18 يناير 2021
د. شهد الراوي
16 يناير 2021
د. شهد الراوي
9 يناير 2021
د. شهد الراوي
2 يناير 2021
د. شهد الراوي
26 ديسمبر 2020
د. شهد الراوي
19 ديسمبر 2020
د.عماد الدين حسين
16 ديسمبر 2020
د. حميد الكفائي
15 ديسمبر 2020
د. واسيني الاعرج
14 ديسمبر 2020
د. انتصار البناء
13 ديسمبر 2020
د. مجيب الرحمن
13 ديسمبر 2020
سارة المرزوقي
12 ديسمبر 2020
خلود الفلاح
12 ديسمبر 2020
سعيد الملاحي
12 ديسمبر 2020
د. شهد الراوي
12 ديسمبر 2020