الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

تونس.. ومعركة الإعلام

قد يبدو النقاش، الذي استعر مؤخراً في تونس حول قطاع الإعلام، نقاشاً أقرب إلى الترف السياسي، أو هو سجال سياسي بعيد عن اهتمامات التونسيين ومشاغلهم، لكن التمعن في تفاصيل المشهد السياسي يبين أن البلد إزاء حرب ضروس مدارها الإعلام، بين أطراف وأحزاب دينية، وبين نقابات وبقية المدافعين عن ضرورة حماية الإعلام وحرية التعبير من التدجين ومن السيطرة الحزبية.

ولئن تعتبر محاولات السيطرة على وسائل الإعلام محاولات قديمة بدأت منذ عام 2012، مع وصول حركة النهضة إلى السلطة، وهي محاولات تجلَّت في الحملات العنيفة على الإعلام، وصولاً إلى الاعتصام أمام مقر التلفزيون الرسمي، إلا أن المعركة الأخيرة هي الأكثر احتداماً وعنفاً، واندلع فصلها الأخير مع تقدم ائتلاف الكرامة بمشروع قانون لتعديل المرسوم 116 الصادر منذ عام 2011، والذي ينظم قطاع الإعلام، ويهدف مشروع ائتلاف الكرامة لإلغاء القيود المرتبطة بالترخيص والاكتفاء فقط بالتصريح.

الكلام هنا عمّق الممارسة السياسية، حيث رابطت الترويكا الحاكمة (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس) في مواقعها المصرة على ضرورة تعديل المرسوم 116.. إصرار حزبي قُوبل برفض مبدئي من نقابة الصحفيين، وجُوبه بمقاومة مبدئية من أحزاب وكتل ديمقراطية، اعتبرت مقترح القانون مقترحاً خطيراً وغير دستوري، ويشرّع للفوضى في قطاع الإعلام، ويصبّ في مصلحة القنوات التلفزيونية غير القانونية، وكلها قنوات محسوبة على حركة النهضة وكذلك على حزب قلب تونس.


الاعتراضات على مقترح القانون كانت كثيرة، بدءاً من الموقف المبدئي القائل: إن قطاع الإعلام لا يمكن أن يدخل في منطق اقتصاد السوق باعتباره مرفقاً عاماً له مسؤولية مجتمعية، وصولاً إلى القراءات السياسية التي تقدّر أن الدعوة إلى تنقيح المرسوم بتعلية تحرير قطاع الإعلام، يهدف بصفة واضحة إلى تحقيق المحاصصة الحزبية، لا إلى تحرير الإعلام.


عجز الائتلاف الداعي لهذا التعديل عن تمرير مشروعه في البرلمان، وعبر الرئيس قيس سعيد عن رفضه للمشروع، لكن هذه المعركة وبقدر ما حققت من وحدة تضامنية مع الإعلام من قبل القوى التقدمية والنواب المؤمنين بحرية الصحافة والإعلام، فإنها أثبتت أن حركة النهضة وحلفاءها يُكنّون عداء دفيناً للإعلام الحر، ما يعني أن هذه المعركة ستليها معارك مقبلة.

حركة النهضة وتوابعها، لا يريدون تحرير الإعلام كما يُسوّقون، بل يبتغون إعلاماً قابلاً للسيطرة، خاضعاً للمال السياسي الفاسد، ومرتهناً للأجندات السياسية، ولعل السيطرة على الإعلام تمثل مفصلاً أساسياً من التمكين الذي تكابد النهضة من أجل تحقيقه.