الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الفنانة «أحلام».. وخطاب التمرد

نبقى مع الأغاني، وهذه المرة الوقفة مع الفنانة «أحلام»، التي تميّزت عن جميع المطربين العرب المعاصرين ــ وكثير من القدامى ــ بتبنيها لخطاب متماسك ((Coherent Discoursيقوم عليه معظم نتاجها، وقد يستغرب البعض هذه الصفة، ويربطها بأدائها في المقابلات أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن النقاش أدناه سيوضح مستوى وعيها بالمادة التي تقدّمها.

يعرّف الخطاب بأنه وسيلة التواصل اللغوي التي تضع حدوداً مميزة لمجموعة بشرية مقابل مجموعة أخرى (ليس المقصود بالتمايز اللغوي هنا اختلاف اللسان/اللغة بأبجديتها)، وبالتالي فإن دور الخطاب هو تحديد هوية معينة وماهيّة أعضائها من الداخل، وليس كما يراها الآخر.

ولسانيّاً: يشير مصطلح الخطاب لدراسة اللغة بدرجة أعلى وأعمق من النحو وتركيب الجملة، أما عن وظيفة الخطاب فهي تحديد النهج الذي تتعامل به الجماعة (أو ممثليها) مع الموضوعات.

يرتكز خطاب أحلام على «التمرد على الرجل» بشكل يصل حدّ التطرف، فمعظم أعمالها موجهة ضد الرجل، ليس كسلطة فحسب، بل ككائن موجود يشارك المرأة هذا الكون.. هنا، تنحسر، بل تكاد تنعدم مفردات الحنين، الشوق، والشكوى من الهجر، وفي حال حضورها، فالغالب أنها من الرجل للمرأة وليس العكس.

هنا يكون صوت أحلام ممثلاً للمرأة بشكل يتسق مع الخطاب النسوي (Feminism)، عاكساً صوت المرأة المتمردة التي ترفض مجرد الحاجة لوجود رجل في حياتها، فالرجل هنا يحضر لمجرد كونه «موضوعاً» للمرأة تماماً كما تحضر المرأة بوصفها «موضوعاً» للرجل في شعره وأغانيه (هذا في أحسن الأحوال في غالب أغانيها).

وفي الغالب، نجد في أغانيها إعلان ثورة على الرجل بأنه لا يشكل ثقلاً حقيقياً في حياتها (مع السلامة، فضّها سيرة، نسيتك، قول عني ما تقول، ولا تسوى، أحسن، بطلنا نحب، هذا اللي شايف نفسه، بغيظك، أبتحداك.. إلخ)، والقائمة تطول بمفردات الهجوم على الرجل وتحديه، بل إن التحدي عندها يصل إلى الاستخفاف بالرجل كونه مجرد «لعبة» في يدها لا تستطيع الخروج من أسرها، وإن حاول التظاهر بأنه قوي، كما تقول في أغنية «لا تصدقونه»:

دوم اتغلا ومن كيفه يراضينــــــــي

ويموت لي قلتله حبيت أنا ثانـــــــي

هو صار عندي مثل لعبه في يدينـي

من وين ما راح قلبه صار يلقانــــي

وهناك مثال آخر يستدعي التشفي في الرجل:

"قديمة كلمة أحبك

ما عاد تنفع معاي

العب على غيري العب

بس لا تقرب هواي

وهذا ما يدخل ضمن استخدام الخطاب كمزيج لغوي متماسك، يأتي كنتيجة طبيعية للتفاعل بين المشاركين (المقدّم والمتلقين). هنا لا بد من الأخذ بالاعتبار الإيقاع الموسيقي الراقص، والذي يشجّع على التفاعل الجسدي والعصبي في حال استدعاء صراع حقيقي على الأرض، فالمرأة التي تستمع لأغنية أحلام مستدعية صراعاً مع رجل أيّاً كان ــ خصوصاً الشريك العاطفي ـ ستجد ضالتها في التفريغ العاطفي من خلال الرقص أو حتى ترديد كلمات الأغنية.

هنا يجدر بالذكر كون أغاني أحلام من أهم المواد التي تقدّم في الحفلات النسائية/الأعراس في منطقة الخليج، بل إن إيقاعها الراقص يلعب دوراً واضحاً في الصراعات النسائية من خلال الرسائل، التي تبعثها النساء لبعضهنّ (وللرجال عن طريق النقل والحكاية) من خلال إيقاع الحركة الممتزج باللحن.

قد يجد البعض -لاسيما الرجال- في هذا مبالغة، ولكن النظرة العلمية الشاملة لما يقدّم كمنتج ثقافي شعبي ــ بغض النظر عن قيمته الحقيقية ــ كفيلة بأن تجيب على كثير من الأسئلة الاجتماعية حول فعاليّة الخطاب الغنائي الذي تقدمه مطربة كأحلام.

من الممكن هنا أن نستدعي كاتبة مثل «قماشة العليان» التي يتماهى خطابها مع أحلام من حيث تأطير الرجل بكونه مخلوقاً شرساً وغير مأمون الجانب، وعلى المرأة أن تكون مترقبة غدره، بل لا بأس بمبادرته قبل أن يتمكن من الهجوم، وهذا ما يؤسس لحالة عدائية، مبررها الأساسي هو «الثورة على الرجل باعتباره متسلطاً ظالما».

لم أشأ أن أطيل هنا وأن أقدّم أمثلة من أغاني أحلام، لأن الهدف هو تسليط الضوء على الخطاب وليس الدخول في تفصيلات نتاجها الممتد منذ سنة 1995.. كل ما أردت تقديمه هنا هو: أن هذا الموضوع من الممكن دراسته بشكل مستفيض يفصّل الإطار الذي تطورت فيها نظرة المرأة للرجل في المجتمع العربي من خلالها «فاعلاً لغويّاً» يتناول الرجل من خلال «نمذجتها» له (her paradigm) وليس من خلال ما رسمه «هو» لنفسه، أو كما أرادها أن تراه، وكذلك من خلال رؤيتها هي لنفسها وليس كما يراها هو.

قد يتساءل البعض: لماذا نموذج متطرف كأحلام؟!.. وتأتي الإجابة على النحو الآتي: أن الخطاب الثوري في كثير من الأحيان يبدأ من خلال متطرفين، يعتقدون أن الوقت قد حان لقلب الطاولة على المتسلط، وبالتالي فإن نساء كثيرات يجدن ضالتهنّ في أحلام وقماشة العليان، لأنّهما يحكيان ما يعتقدن أنه واقعهنّ المرّ.