الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«فيروز».. ذاكرة الحياة

يرحل البشر، ويغيب الزمن، وتفقد المدن ملامحها، ويبقى الفن والكلمة واللحن ذاكرة تذكر بهم، وفيروز ذاكرة لبنان التي ترسم كلماتها تاريخاً بأكمله، وكلما همس الشجر وصرخ البحر ووشوش المطر بأغاني أميرة الغناء العربي، تذكَّر أهل لبنان وأحبتها ما آلت إليه بلادهم اليوم.

الإحصاءات الأخيرة التي عرضتها القنوات الرسمية اللبنانية لهجرة اللبنانيين، أو أولئك الذين غادروا لبنان ولم يعودوا مرعبة جداً، ولبنان التي تتوالى حسراتها وآلامها ونكباتها الكارثية التي يتسبب بها البشر وأهل الفساد هي ليست كوارث بفعل الطبيعة أو خارجة عن الإرادة البشرية.

فيروز وحدها التي تقدر أن تأخذك على هودج صوتها وكلماتها إلى لبنان أينما كنت، ثم تعود بك محملاً بذاكرة الجبل والنبع والسهل والبحر والعشاق، وهي التي غنت باسم العشاق والعاشقات «اللاتي امحى اسمهن عن القصف المجرحة بينما بقي اسم المحبوب عالحور العتيق».

بثوبها الأميري الأبيض تقف على شرفة القمر، وتطل على نيسان وفصول الحب، وتغني لشادي الذي لم تغتَلْهُ كارثة مرفأ بيروت أو الفقر المدقع، الذي جعل نسبة كبيرة من اللبنانيين تحت خط الفقر، بل كان ضحية الحرب الأهلية التي لم تهدأ يوماً، حتى عندما تحولت لحرب باردة تؤجل مراراً تشكيل حكومة تعيد للبنان كرامته.

لبنان الذي ضاع مراراً في سوريا، والذي تحول حزبه (حزب الله) الموضوع على لائحة الإرهاب العالمي إلى ميليشيات إيرانية تترصد جيرانها وكل من مد يد العون للبنان يوماً، وأصبح ساحة للاغتيالات.. فيروز وحدها تستطيع أن تخرجه من آلامه بجرعة موسيقى يتخذها اللبنانيون كتعويذة حب وحياة، وتستطيع بعيداً عن السياسة الفاسدة أن توحِّد لبنان مع العالم، الذي يحتسي قهوته مع صباحات فيروز.

على مفرق الطريق وحد القناطر، تذهب فيروز بعشاق صوتها، وتستقل البوسطة إلى«تنورين»، وتحمل اللبنانيين إلى أحلامهم وآمالهم.. تغني للحياة وتهزم بصوتها الموت والحزن...

يا طير يا طاير على أطراف الدني لو فيك تحكي للحبايب شو بني