الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«جورج كلوني».. صداقة الفرسان

كنت دائما أرى أن الصداقة الحقيقية من أغلى كنوز الدنيا، وأن الصديق الحقيقي ثروة لا يقدرها إلا النبلاء من البشر، وأن غياب الصديق خسارة لا تعوض.

والصداقة ليست كلاماً عابراً أو مجاملات ولكنها مواقف تظهر فيها معادن البشر ويكتشف الإنسان فيها ما يستحق البقاء وما يمكن أن نفرط فيه، وفي زماننا الغريب أصبح من الصعب أن تميز بين مشاعر الناس لجهة صدقها من زيفها.. إن لغة المصالح تحكم كل شيء، وكانت الصداقة أول ضحايا لغة المصالح، لأنك لا تعرف الصادق من المزيف.

في الأسبوع الماضي قدم الفنان العالمي جورج كلوني مفاجأة للعالم كله، حين أعلن أنه أهدى 14 مليون دولار لأصدقائه، وقال إنه أعطى كل واحد منهم مليون دولار وعددهم 14 شخصاً، قدَّموا له خدمات كثيرة في مشوار حياته، ووقفوا معه في أزمات كثيرة حين كان وحيداً بلا أسرة أو أبناء، وأنه كان سعيداً وهو يقدم لكل واحد منهم هذه الهدية. إن كلوني لم يقدم هذه الأموال هديّة لإحدى الراقصات، ولم يخسر هذا المبلغ في صالة قمار، ولكنه فضَّل أن يرد الجميل لأصدقاء شاركوه رحلة العمر.


ولا أدري أين نضع مثل هذا التصرف النبيل، ويحتار الناس متسائلين: هل بقيت مثل هذه النماذج الرفيعة بيننا وكل إنسان قابض على ما لديه من الأموال المتكدسة في البنوك والخزائن؟.


هناك الآلاف من أصدقاء الأغنياء لا يجدون البيت والعلاج والسكن، وهناك فنانون في دولنا العربية ماتوا في غرف مظلمة دون أن يراهم أحد، ففي مصر مثلاً، مات إسماعيل ياسين فقيراً بعد أن أنفق كل ما يملك على الفن، ومات عبد الفتاح القصري وهو لا يملك بيتاً يعيش فيه، وماتت ليلى مراد وكانت تتلقي المساعدات من هنا وهناك، ولا يزال بيننا نجوم كبار لا يقدرون علي دفع نفقات المستشفى أو شراء الدواء.

إن آلاف الأثرياء يمرُّون على مواكب المحتاجين والفقراء، ولا يكلف الواحد نفسه أن يعالج مريضاً أو يشتري له الدواء.

العالم يتحدث اليوم، عن جورج كلوني الذي أهدى أصدقاءه كل هذه الأموال، بينما نجد عندنا من يدفع عشرات الملايين في ملاهي الرقص وبيوت القمار.. يبقى أن الصداقة مواقف وأن القدرة على العطاء شيء يختلف من إنسان لآخر، لأن العبرة ليست فيما نملك ولكن في قدرتنا على أن نعطي.