السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أوركسترا الكلمة

هناك روايات قرأتها ما يزال أثرها خالداً في نفسي، أشعر بقشعريرة ونشوة وموسيقى تلتحفني على وقع اسمها كلما مرت ذكراها بخاطري، لعناوينها أثر سيمفوني عليّ كوقع مخطوطات كارمينا بورانا، وبالتحديد «أو فرتونا»، القصيدة اللاتينية من القرون الوسطى، التي أصبحت سيمفونية فيما بعد على يد الموسيقي الألماني كارل أوف، والآخذة حال الاستماع لها إلى حالة من الانفصام عن الواقع والتوهان في اللاشعور، وسط أغاني العشاق وهيام المتيمين، ونشوة الصوفيين، وأنت سابح بملكوت سرمدي لك وحدك دون أن يشاركك به أحد كناسكٍ متعبد، باع الدنيا وما فيها، زاهداً بها.

من هذه الروايات: الحارس في حقل الشوفان، و100 عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، ومدام بوفاري، ودكتور زيفاجو، والبؤساء، وقطار الليل إلى لشبونة، وغيرها مما تضيق المساحة عن ذكره، لكنها عالقة في الذاكرة بأحداثها وأبطالها، وزخم المشاعر وعبقرية الوصف بها، حتى ليظن قارئها أن ليس بعدها شيء كفيل بملء فراغ النهِم لقراءة ما يماثل عظمتها ووقعها الشديد على النفس العطشى دون أن ترتوي بعد أن ذاقت حلاوة الأدب، وجمال الكلمة، وعذب الوصف، ورهافة الإحساس، وصدق المشاعر، وواقعية الحدث ومآلاته.

ما السر حولها، وما الذي فيها ليجعلها خالدة، وما هي التعويذة التي تحرسها فتحافظ على فرادتها، وما السحر الذي يلفها ليتفرد بها بهالة عما سواها؟


جميعها أسئلة عجزت عن أن أجد إجابة تشفي التصاقي أو تفسر هيامي وتعلقي بها، ونهمي لأن أجد ما يماثلها في رحلة القراءة ومتعة النص وحلاوة البيان، التي بتنا نفتقدها وسط ضوضاء أعمال لا ترتقي لمصاف أساتذة الكلمة، عازفي نوتات موسيقاها الأدبية.