الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الفن مرآة المجتمعات

قبل أيام كان لي حديث مع أصدقاء حول الموسيقى، والفن بصفة عامة، ودورهما في الارتقاء بالذوق العام، واسترجعنا جميعاً أيام الزمن الجميل حيث كانت السيدة أم كلثوم، والعندليب عبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، والموسيقار محمد عبدالوهاب، وغيرهم، رموزاً لتلك الحقبة وللفن العربي، تنحني أمامهم قامات كبيرة في الشرق والغرب.. حقبة كان فيها الفن رسالة، والكلمة أمانة، واللحن معزوفة تحملك على غيمة من المشاعر الراقية.

المؤسف، أننا ونحن نستذكر هذا الزمن الجميل، الذي سيبقى حياً فينا للأبد، كان في الجهة الأخرى صوت موسيقى صاخبة، مما يسمونها أغاني الشباب، أو أغاني المهرجانات الشعبية، حيث فقدت الكلمة معناها، وتحول اللحن العذب إلى صراخ وضجيج لا يزعج فقط الأذن، ولكن يزعج كل الحواس، وأصبح الفن لا يقدم سوى رسائل سلبية وغير صحية للجمهور.

على خلفية ذلك تطرح جملة من الأسئلة، منها: لماذا، ومتى حصل كل هذا التغيير في الفن العربي، بمفهومه العام؟ وكيف انتقلنا من كلمات كمال الطويل ومأمون الشناوي وألحان محمد فوزي ومحمد الموجي وبليغ حمدي وغيرهم، إلى نوع من الفن الهابط، الذي أصبح متداولاً بشكل واسع وسط شرائح مختلفة من المجتمع؟ فهل دور الفن فعلاً الارتقاء بذائقة الشعوب، أم أنه يتأثر بالمناخ العام، وأنه مرآة لحال وثقافة المجتمعات ويعكس مدى وعيها وتقدمها، أو العكس، مدى تخلفها وانحطاط قيمها؟

لا أعلم صراحة إذا ثمَّة دراسات وأبحاث بهذا الخصوص، ولو أن الأمر يستحق فعلاً ذلك، لكن أعتقد أن هذا النوع من الأغاني يعكس ثقافة متمردة على كل الأوضاع الموجودة داخل المجتمع، وهو، شئنا أم أبينا، ترجمة للواقع الذي نعيش فيه، فهو يعبِّر عن ثقافة بيئات معينة، بكل ما تعانيه منه من مآسٍ انسانية، ومشكلات يومية بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، أو تهميش أو جهل، والغريب أن هذه الأغاني لها قدرة خارقة على الانتشار، خاصة بعد نقلها من البيئة التي أنتجتها إلى الملاهي الليلية حيث تلتقي ببيئات أخرى مختلفة.

ربما يكون فعلاً لهذا النوع من الأغاني جمهوره، لكن قبل أن تأخذنا الموجة، يجب أن نستذكر أن الشعوب تعرف من فنونها، والأمم تُقيَّم من تراثها الفني.

وإذا كانت الموسيقى هي لغة الإنسانية التي‏ ‏تجتاز‏ ‏‏الحدود‏ ‏لتصل‏ ‏إلى أذهان‏ ‏وقلوب‏ ‏الشعوب‏ ‏باختلاف‏ اللغات والثقافات والأجناس، فإننا لن نستطيع الارتقاء والوصول بشكل يليق إلى الآخر بدون فن يسمو بوعي وفكر وثقافة المجتمعات، وليس فنّاً يهبط بنا إلى القعر.