الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

رقمنة الثقافة

أصبح الحديث عن تأثير وباء كوفيد-19 في أي مجال من مجالات الحياة، حديثاً من الماضي القريب، وأصبح الحديث الأكثر واقعية هو عن إمكانية التأقلم مع التحولات التي فرضها الوباء على مناحي الحياة المتعددة، والتأثير الأكثر وضوحاً للوباء هو ترسيخ العصر الرقمي، الذي كان في الأصل يسير بخطى واثقة، فإعادة تفعيل أغلب المجالات افتراضياً، واستخدام مختلف الأدوات الرقمية التي كانت مجمدة أو مجهولة عن عامة الناس، جعل الرقمنة ركناً أساسياً من أركان الحياة اليومية.

على مستوى الثقافة كان واضحاً لجوء الكيانات الثقافية العامة والخاصة إلى تحويل أغلب أنشطتها القابلة للتحول إلى التطبيقات الافتراضية، فعقدت المحاضرات والندوات على المنصات الإلكترونية المفتوحة، وأديرت الاجتماعات، وأعيد تفعيل المعاملات عن طريق البرامج والأدوات الرقمية، وقد حقق هذا التحول مكاسب كبيرة للمؤسسات الثقافية، من حيث انفتاحها على جماهير أكبر، وتسهيل استضافة مختصين أكثر من بقاع بعيدة، وتخفيف تكاليف العمل المباشر، ولكن هذا لا يعني أن الثقافة في حد ذاتها (ترقمنت). ولكن، هل من الضروري رقمنة الثقافة؟

لم يعد هناك بد من اقتحام العالم الرقمي الذي سيصبح مع الوقت هو الأسلوب المهمين على التعليم والعمل والاستثمار، ومع الأهمية الخاصة للثقافة في حد ذاتها، فإنها ذات تأثير كبير في الدخل الوطني والاقتصاد العالمي، وهي ملهمة الأفكار والابتكارات والاختراعات، لذلك لا يجب أن تبقى هي أبعد المجالات عن الرقمنة، وإذا كان العمل الثقافي على مستوى المحاضرات والندوات قد تمكّن من تجاوز أزمة العزلة التي فرضها الوباء، فإن هناك قطاعات أخرى لم تتمكن من ذلك، مثل قطاع السياحة والفنادق والنشر، وإقامة معارض الكتاب والتراث.


وبعيداً عن مسألة الوباء، فإن غايات نشر المعرفة والثقافة على نطاق أوسع، وزيادة عدد وكفاءة العاملين في القطاعات السياحية، وتسخير الثقافة كأداة من أدوات رفع الوعي الإنساني، يستدعي استفادة الثقافة من العصر الرقمي ومن الأدوات الرقمية، وقد يبدو التحول صعباً للوهلة الأولى، لكنه يصبح متاحاً عند التفكير في تصميم تطبيقات إلكترونية ذات علاقة بآثار أي دولة يمكنها اصطحاب الزائر في رحلة افتراضية لأي معلم أثري باستخدام أحدث المؤثرات الرقمية، ويمكن التفكير في معالجة موضوع النشر الرقمي الذي يحمي حقوق المؤلف، وفي الوقت نفسه يمنحه دخلاً جيداً.


إن تأسيس مشروع رقمنة الثقافة العربية سيحدث تحولاً كبيراً في هذه الصناعة، وسيخلق دهشة عالمية حين تخرج كنوزنا الثقافية وتراثنا الإنساني للعالم الذي لا يزال يجهلنا ويجهل حضاراتنا العريقة.