الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

كتابات الخيال العلمي

يتجلى من خلال القراءة المتبصرة لمجموعة من الكتابات العربية في مجال الخيال العلمي، أو تلك التي تطلق على نفسها تلك الصفة، أنها لا تستجيب كلها للصفة العلمية التي وسمت بها نفسها من خلال المؤشر الأجناسي، الذي افترضته لمفهوم الخيال العلمي، وهو ما أثر على القيمة الجمالية للكثير منها، لأنه إذا كانت الثيمة تنتمي إلى الخيال العلمي، فلا يعني ذلك أن النص عبارة عن وثيقة علمية افتراضية، هو بالدرجة الأولى نص قصصي وأدبي، الهدف من ورائه إمتاع القارئ ووضعه في أفق مستقبلي.

فمن خلال ثيمة علمية تغيب كلياً عن ثقافتنا، تدور قصص الخيال العلمي في مخابر علمية أجنبية، وهذا مبرَّر على العموم، لأن الوضع العلمي في العالم العربي يكاد يكون محدوداً، ولا تستثمر فيه الأموال إلا بدرجة محدودة، بينما في الدول المتقدمة يشكل العمل المخبري رهاناً مستقبلياً، لا يتعلق الأمر هنا بالعلم فقط، ولكن بما يخرجه من دائرة الحاضر، أي مجال التخييل، بمعنى افتراض أن العالم العربي سيتغير حتماً يوماً ما باتجاه الأفضل بفضل الذكاء والعلوم، ولكن في لاوعي كاتب الخيال العلمي الذي يستنجد بالمخبر الأجنبي، هناك يأس مبطن من عالم عربي حبيس التخلف.

عندما يكتب كاتب في الخيال العلمي، فهو يفترض بالضرورة أن هذا العالم سيتغير، فالخيال العلمي يساعد على هذا الانتقال نحو مستقبل قريب أو بعيد، أي انتقال النص من واقعيته إلى عالم مفترض وقد يكون بعيداً، وهذا ما نراه حتى في الخيال العلمي عند الغرب المتقدم، يفترض مثلاً حرباً نووية مدمرة لكل شيء، أو نشوء عالم أسير الروبوتات، من خلال هذه التصورات يكبر الغموض في القَصص العلمي بحيث يتصور الكاتب أن القَصص الاستباقي هو نفسه الخيال العلمي، مثلاً، رواية 1984 لجورج أورويل أو ميلينيوم لستيغ لارسن، هي أدب استباقي، مشكلته الوحيدة أنه يظل في مخياله واقعياً ما يفقده خاصية الخيال العلمي.


ربما كان جول فيرن أهم من حدد مفهوم الخيال العلمي عندما قادنا في نصوصه، وقاد أجيالاً سابقة لاكتشاف عوالم لم تكن موجودة كالصواريخ العابرة للفضاء واكتشاف القمر في زمن لم تكن حتى الطائرة قد وُجدت، لهذا فالخيال العلمي مرتبط جوهرياً بالتقدم العلمي والتقني، ويرتبط أيضاً باكتشاف أنماط حياتية خارج الأرض، وربما صراع الجنس البشري مع مخلوقات سبق أن خلقها هو بنفسه ولم يعد يتحكم فيها، ويمكن أن أقسم المواد التخييلية التي كثيراً ما التبست عند القراء والكُتّاب. هناك أولاً الخيال العلمي كما حددته، المرتبط بالمستقبليات.


لكن هناك الأدب الغرائبي Fantastique، الذي يتعامل مع المدهش من الظواهر، مثل رواية المسخ لكافكا الذي تحول بطله سامسا إلى حشرة.. والخيال السحري Fantasy، المتعلق بالسحر وبالمخلوقات الغريبة وغير الطبيعية.

عربيّاً هناك خلط كبير بين مختلف هذه الأنواع، فإذا كان النوع الأول ينتمي إلى الخيال العلمي، فالبقية تنتمي إلى أنواع أخرى لا علاقة لها بالخيال العلمي.