الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

توضيح الواضح.. وتنظير الناصح

يستغرق بعض الكتاب في شرح البديهيات، فتجد مقدمات كتاباتهم طويلةً وفائضةً عن الحاجة، فالكتابة التي تجتر المألوف مضيعة للوقت الثمين والشحيح، ولا حاجة لنا أن نقرأ أن «الهواء والماء ضروريان لحياة الإنسان»، وأن «الصحراء قاحلة بسبب شح المياه»! بعض المطولات يمكن أن تُختَصر إلى النصف أو الربع، وبذلك نوفر الوقت والجهد والحبر!

أحد الحكماء الذي يختلف إلى مجلسه كثيرون للاستزادة من حكمته النادرة، أوصى مجالسيه «إذا عَطَلَتْ ساعتُك، فعليك أن تأخذها إلى الساعاتي لإصلاحها»! وقد أفاضَ بأنه بث تسجيلاً لهذه الموعظة القيمة في يوتيوب تعميماً للفائدة، وكي لا يدعيها أحدٌ غيره!

بينما يستغرق بعضهم في التنظير، فأصبح كل كاتب «ابن خلدون» عصره، وأسهمت سهولة النشر في شيوع هذه الظاهرة، فأخذ البعض «يجترح» عباراتٍ هزيلة التركيب والمحتوى، ويقدمها على أنها نظريات جديدة في علم الاجتماع، مسجلاً براءة اختراعها باسمه الكريم!


المشكلة التي تزداد تفاقماً في عالمنا اليوم هي انتشار أفكار وأشعار هزيلة ومتماسكة منسوبة زوراً لمفكرين وشعراء راحلين، بعضهم يبذل جهوداً مضنية في نظم قصيدةٍ «عصماء» ثم ينسبها إلى الجواهري أو شوقي، أو ينشر رأيه وينسبه إلى الوردي أو غاندي أو مانديلا أو برناردشو! وتجد كثيرين، حتى بين المثقفين، يتداولون هذه القصائد والآراء دون تمحيص!


أما تعريفات «المثقف» فحدِّث ولا حرج، فهناك العشرات منها، والعجيب أن بعض واضعي هذه التعريفات لا ينطبق عليهم الحد الأدنى لمواصفات المثقف، ولا أدري لماذا يُجهِد المرء نفسه في توصيف المثقف؟ وهل يمكن أن يكون هناك توصيف متفق عليه للمثقف أو المفكر أو الشاعر أو الفنان؟ فهذه صفات تخضع دائماً للآراء المتباينة، خصوصاً في عالمنا العربي الذي يعج بالجدل حول كل شيء.

تابعت ذات يوم مقابلة تلفزية لشخصٍ عرّفه مقدِّمُه بأنه «مفكر» ولهزالة أقواله، طَفِقتُ أبحث عنه، فلم أعثر له على أثر، وسائل الإعلام الغربية تُمحِّص في مُدَّعَيات ضيوفها، فلا تعرِّفهم كما يبتغون إلا بعد التأكد، أما وسائل إعلامنا فـ«تحسن الظن».

ولأنني انتقدت توضيح الواضح والتنظير الفاضح، فليس من حقي أن أُنظِّر لأي مسألة، ولكن أقول بتواضع: إن ممارسة التجهيل ليست بطولة، وعلى من ينخرط في عالم المعرفة أن يصدق القول، ويتحلى بالإنصاف، ويبذل الجهد في تحليل المعلومة قبل تصديقها.