الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

كتاب مهم.. وعنوان غامض

(0.03%).. هذا هو العنوان الغريب والعجيب لكتاب صدر حديثاً للدكتور «بيير ميشيليتي» الذي يترأس المنظمة الدولية غير الحكومية المعروفة باسم «العمل ضد الجوع»، سبق لميشيليتي أن ترأس منظمة أخرى من العيار الثقيل تهتم أيضاً بالمساعدات الإنسانية تدعى «أطباء العالم»، وهي فرع من منظمة «أطباء بلا حدود» التي فازت بجائزة نوبل عام 1999.

ونفهم من ذلك أن المؤلف اكتسب بعض الخبرة في معالجة أسوأ المآسي والأزمات التي عانى منها العالم خلال العقود القليلة الماضية، وكان يسعى للعمل على مواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير أو موجات المجاعة والأمراض الفتاكة، التي تهدد بعض مناطق الأرض.

ربما يُوحِي عنوان الكتاب أيضاً بأنه يمثل دعوة عالمية لتشجيع الاهتمام بمآسي البشر والتخفيف من آلامهم، والعنوان بحد ذاته يمثّل رقماً مجرّداً يشير إلى النسبة البسيطة من الإمكانات المادية التي تكفي لمعالجة أسوأ الأزمات التي يعاني منها العالم، ولا تمثل هذه النسبة إلا مقداراً ضئيلاً جداً من إجمالي الدخل الوطني السنوي للدول الأكثر غنى في العالم.


ويمكن أن تتكفل الأمم المتحدة بفرض هذه المبالغ وتحصيلها، ثم إعادة توزيعها على البلدان الأكثر تضرراً من الحروب والنزاعات أو على ضحايا الكوارث الطبيعية، ووفقاً للحسابات التي أنجزها ميشيليتي، فإن هناك 200 مليون شخص بحاجة ماسة وعاجلة للمساعدة، بالإضافة لنحو 70 مليوناً آخرين تفرض عليهم الأوضاع السياسية لبلدانهم النزوح أو الهجرة إلى أوطان أخرى.


ولا يزيد المبلغ المطلوب للتخفيف من معاناة كل المنكوبين بهذه الأزمات والكوارث على 30 مليار دولار، ويفضل ميشيليتي مقارنته بميزانيات الصفقات العالمية المخصصة لشراء الأسلحة والتي بلغت 2000 مليار دولار عام 2020.

وهو يرى أن المتبرعين الأفراد ما عادوا قادرين على تجميع المبلغ المطلوب ولا تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، فما بالك بالمتطلبات الضرورية لمواجهة الجوائح والأخطار الطبيعية.

اليوم، تغطي التبرعات العامة على المستوى العالمي ربع ميزانيات المساعدات الإنسانية، ويأتي الباقي من المنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وأيضاً من الميزانيات الوطنية لبعض البلدان الأكثر غنى، وقد أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر بلدان العالم كرماً وسخاء في تقديم المساعدات والهبات الإنسانية، والتي بلغت 2 مليار دولار في عام 2018، وهي تساوي مجموع المساعدات التي تقدمها بريطانيا العظمى.

ويشير مؤلف الكتاب أيضاً إلى أن الحاجة الماسة للمساعدات العاجلة تتركز عادة في عدد صغير من البلدان، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وفي البلدان التي تمتد من سوريا إلى أفغانستان.. والآن، حان الوقت لتمكين المنظمات المحلية من تقييم الاحتياجات والمساعدات الضرورية، واختيار الطرق المناسبة لتوزيعها تحت إشراف المنظمات الدولية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، وهذا يعني بكلمة أخرى أن زمن احتكار الدول الغربية للترويج للأعمال الخيرية والإنسانية وتنفيذها انتهى إلى غير رجعة.