الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

بين عالمين.. كشف المستور

منذ حلت الجائحة، تغيرت بوصلة التواصل في كوكبنا، غادرنا الفعاليات الحضورية والملابس الرسمية لتكون الاجتماعات خلف الشاشات، وأضحت قاعات المؤسسات تشتكي غربة مقاعدها، وسكون شاشاتها وأروقتها، ومع تصاعد أعداد الإصابات والوفيات في العديد من البلدان، والتأرجح بين الإغلاق الجزئي والإغلاق الكلي، تمضي حياة البشر في واقع تبدَّلت معالمه وعوالمه، ولا يزال للقصة فصول.

وبعد أن اضطر الجميع للعمل والتواصل من خلف الشاشات، اكتشفنا الحال المضحك المبكي، حيث تشهد ورش العمل والندوات والفعاليات رحى موقعة حامية بين عالمين متباعدين، وإذا كنت ممن حضر وشارك عن بعد مع مؤسسات دولية في أوروبا أو سنغافورة أو أمريكا الشمالية، وبين مثيلاتها في منطقتنا العربية، إليك يا سيدي واقع الحال، فليس من رأى كمن سمع.

بمنطقتنا العربية، غالباً تُفتتح الفعالية متأخرة بعض الوقت، وما أن تبدأ حتى يُرفع الستار عن كواليس الحضور، فتتعالى أصوات غريبة من بكاء الأطفال أو حديث شخصي، إلى مشادة هاتفية لمجهولين، أو مكالمة غاضبة مع متصل في وقت انشغال صاحبه، أو يظل أحدهم يظهر ويغيب وكأنه القمر المنير، ثم فجأة يختفي ليترك الجميع مع ضجيج مبهم مرسل من بيته أو مكتبه عبر هاتفه أو جهاز الحاسوب، أو تظهر صور شخصية وخصوصية لا تليق باجتماعات وندوات رسمية، أو استمتاع أحدهم بالمشاركة من سيارته أو مكان عام.


وعلى نافذة طرح الأسئلة، تضيع الأسئلة المهمة في مدح مفرط أو نقد مسهب، وكأنك تجلس في مقهى وليس جلسة علمية لها أصول وبروتوكول، وعلى الصعيد الموضوعي، تأتيك أحياناً معلومات دون موثوقية أو توثيقية لمصدرها، وما خفي كان أعظم من تسويق مبالغ للذات بعيد عن موضوع اللقاء، والحديث يطول!


وفي العالم الآخر، تعيش النقيض تماماً، فبداية ونهاية الفعالية في موعدهما المعلوم، والتأخير منوّه عنه، وتبهرك جودة العرض ونقاء الصوت وفاعلية التواصل، ودقّة المضمون والتركيز على الموضوعية والابتعاد عن الذاتية واحترام العقول والأصول، لأن المتحدث أو المشارك خصَّص الوقت الكافي للتحضير دون تكلف أو مدح أو ذم أو تسويق أو مجاملة، لتكون المحصلة النهائية قطوفاً من المعرفة والمعلومات الموثقة والمفيدة والمحدثة. لقد كشف التواصل المستور عمَّا لم يكن معلوماً، وجاءت نتائج الموقعة بين فريق القشور والتقادم وفريق الجذور والتقدم ليست لصالحنا، فهنيئاً للفائزين!