الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الاستثمار البنفسجي في عُمان

في مقالها (الثقافة في صميم أهداف التنمية المستدامة) تُحدثنا يوتي هوسغرهار عن أهمية الثقافة من الناحية التنموية وقدرتها على الاستدامة، ولهذا فقد قررت اليونيسكو إدراجها ضمن أهدافها التنموية التي اعتمدتها في سبتمبر 2015، وهو كما تصفه الكاتبة (الاعتراف غير المسبوق) بالدور الحيوي لهذا القطاع.

ولأن الثقافة في الأصل تؤسس الأبعاد التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لأنها تقوم بوظيفة مشتركة من خلال هذه الأبعاد في مجالي الإبداع والابتكار اللذين ترتكز عليهما رؤى المستقبل، فإن هذا قد دفع بمنظمة اليونيسكو إلى إقرار مجموعة من الأنشطة التي تعزز هذا التوجه، فبعد إعلان هانغجو/الصين الداعي إلى (جعل الثقافة في صميم سياسات التنمية المستدامة) في عام 2015، أصدرت تقريراً بعنوان (الثقافة.. المستقبل الحضري) بمناسبة المؤتمر الثالث للإسكان في كيتو، عاصمة الإكوادور في أكتوبر 2016، وهو تقرير يركز على الصناعات الثقافية الإبداعية.

إن الثقافة في علاقتها بالتنمية تجعل من مجالاتها وتطوراتها المتسارعة بفعل الانفتاح العالمي والتقدم التقني أساساً للشراكات المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وركيزة مهمة للإبداع والابتكار، وبالتالي قدرة على الاستثمار الثقافي باعتباره استثماراً معرفيّاً، ولهذا فإن سلطنة عمان في رؤيتها 2040 أولت الاستثمار في الثقافة أهمية كبرى من خلال أولوية (المواطنة والهُوية والتراث والثقافة الوطنية)، وذلك بتحديد هدف (استثمار مستدام للتراث والثقافة والفنون، يسهم في نمو الاقتصاد الوطني).


الثقافة في رؤية عمان 2040، تتقدّم ضمن محددات معرفية تقوم على التوازن بين الاعتزاز بالثقافة والهُويّة الوطنية والتطورات التقنية واقتصادات المعرفة لإنتاج إبداعات حديثة تعظِّم من القيمة الثقافية والاقتصادية للتراث الثقافي من ناحية، وتعزز الابتكار والقيم الحضارية المضافة من ناحية أخرى، ذلك لأن استثمار الثقافة لا يقوم على إنتاج الجديد وحسب، وإنما على التطوير والإبداع لتبقى الثقافة مستدامة ويبقى الإنسان منتجاً لها على الدوام.


ولعلَّ الهدف الأساسي من الاستثمار في الثقافة العمانية قد تأسَّس ضمن مجموعة من المعطيات الحضارية والثقافية التي تتمتع بها السلطنة، الأمر الذي ظهر من خلال الاستثمار في السياحة الثقافية والمهرجانات، بالإضافة إلى تلك الاستثمارات التي قامت عليها الصناعات الحِرفية، إلا أن الأمر في استثمار مجالات التراث الثقافي غير المادي والفنون الحديثة يحتاج إلى خطة واضحة وشراكة اقتصادية معززة، ذلك لأنها من الصناعات التي يقوم عليها (الاستثمار البنفسجي) و(الصناعات المعرفية)، وبالتالي فإن الإنتاج الإبداعي والابتكار الثقافي في الصناعات البصرية والسمعية والرقمية سيكونان من أكثر مجالات الاستثمار الثقافي ثراءً في العقدين المقبلين.