السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

استيقظ الأمير فوجد نفسه أنثى

لم يعد سرّاً ذلك السؤال الذي ظل يرافقنا كجنس بشري؛ سؤال مضمر يمشي بالترافق مع يومياتنا المستعجلة: هل هنالك حقاً نسبة من الذكورة والأنوثة معاً بداخلنا؟.

بعيداً عن الأبحاث السيكولوجية، التي أثبتت تحقق نسبة من طبيعة جنسانية مغايرة في كلا الجنسين، إلا إني أحب أن أبدأ من الأدب دائماً.

فمنذ بداية القرن الـ18 تحديداً حين شرعت الروائية فيرجينيا وولف في كتابة رائعتها «أورلاندو» وهو الشاعر والفارس والبرجوازي الوسيم، الذي عاش لأكثر من 300 عام، وعاصر عمالقة الأدب الإنجليزي، وشهد الكثير من التبدلات البيئية والاجتماعية، إلا أن الحدث الأكبر في حياته، كان عندما استيقظ فجأة من غيبوبة سريعة، ليجد نفسه وقد تحول إلى أنثى!.

وهنا تبدأ ملابسات الحكاية، لتظهر براعة فيرجينيا وولف في تلمس النتوءات والالتفاتات النفسية المعقدة، التي تظهر لنا في حالة لو امتلكت جسد أنثى مع ترسبات شعورية ذكورية.

يبدأ أورلاندو بمحاولة التعايش مع جسده الجديد، ونمط حياته المُستَغربة والمفروضة عليه، لكنه، وأثناء خوضه هذه الحرب الناعمة، يكتشف اكتمال تجربته الشعرية التي حاول أن يبلغ نضوجها في حياته.

يبدأ بفهم مواقف كثير من النساء اللواتي عاصرهن في السابق، لكنه ظل يواجه مشكلات على صعيد الضوابط الاجتماعية الجديدة، والقيود التي لم يعتد عليها مروراً بالتزامه بالأزياء النسائية، التي تقيد حركته مثل التنورة المكشكشة وطبقاتها والإكسسوارات، التي من شأنها أن تبطئ من حريته وتحدد فضاء إيماءاته.

تعد هذه الرواية -بجانب كونها نقداً عميقاً لمن تصدّر المشهد الأدبي الإنجليزي الذكوري آنذاك- أول عمل أدبي يخصُّ مفهوم النسوية التي نهلت منه الحركات النسوية المتعاقبة الكثير فيما بعد، وهي بمثابة دراسة سيكولوجية لطبيعة المرأة والرجل على حدٍ سواء، واختلاط نِسَب تحقق كل منهما في الآخر.

تعتقد فيرجينا وولف أن بلوغ القمة الإبداعية في الكتابة لا يمكنها أن تتحقق إلا من خلال عملية مزج آلية تفكير الذكر الخالصة إلى المنطق، مع الحسية والخيال الذي تبرع فيه المرأة.

وهذا ما استطاعت أن تحققه هذه الروائية الفذة، التي كشفت عن حاجتنا الإنسانية لفهم أنفسنا ثم بعضنا البعض، إلى جانب ضرورة الموازنة النفسية الجنسانية، التي تمكننا من فهم العالم والتاريخ على حدّ ٍسواء.