الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مواساة عاطفية على جانب الحافلة

في لندن عام 2018، احتجزتني صديقتي المقربة في مكالمة هاتفية تعدت الساعتين، وهي تنتحب بمرارة جراء صدمة عاطفية أنهت فيها قصة حب كبيرة كانت تعول عليها كثيراً.

وبعد أن حاولت بصعوبة تهدئتها، نزلت مسرعة واندفعت خارج بناية الفندق.. كنتُ بحاجة إلى هواء بارد ومنعش. مشيت حيث الجادة المجاورة ودون سبب وجيه، صعدت أول باص مر من أمامي، واتخذت مقعدي قريباً من النافذة وتركت المدينة تتجمد من ورائها.

لم تمر دقائق كثيرة، حتى لمحت عبارة مكتوبة على إحدى حافلات النقل العام ذات الطابقين: «عندما تسوء علاقتكِ بأحدهم؛ ارفعي رأسك عالياً وارسمي ابتسامة ساحرة على شفتيك، وجهزي لنفسك كوكتيلاً من أطيب الفواكه وانطلقي».

تذكرت حالاً هذه العبارة المقتطعة من رواية «فتاة عشرينية» للروائية البريطانية صوفي كينسيلا، وتفاجأت كيف أن المدينة كلها تحتفي بعبارة أدبية بسيطة لقصة لارا الفتاة العشرينية، التي انتهت علاقتها مع حبيبها جوش، وصادف أنها فقدت عملها في نفس الوقت، لتعيش أسوأ حالاتها، قبل أن يظهر لها شبح عمتها المتوفية، لتساعدها فيما بعد على المضي قدماً في حياتها، وهي تكرر عليها العبارة التي قرأتها على جانب الحافلة.

تمنيت لو أن صديقتي كانت معي في تلك اللحظة، لرأيتها وهي تصطدم بمثل هذه العبارة في شوارع مدينتها، ففي اللحظة الأولى التي تحتاج فيها لأن تبكي، تأتي إليها المدينة بأكملها، تحتضنها بدفء وتمسح دموعها.

كم نحتاج إلى الأدب في شوارعنا.. إلى هذا الترفق الإنساني الذي يهتم بكل قصصنا، وأوجاعنا، ومتاعبنا العاطفية.

لو كانت صديقتي معي في لندن، لابتهجت لمثل هذه العبارة، واعتبرتها رسالة خفية من القدر، ولطلبت مني على الأغلب أن نعد كوكتيلاً من الفواكه الحلوة.

لو كنا نعيش في مدن تتماهى مع فنها وأدبها ومع نتاجات مبدعيها وكأنهما خلقتا من فكرة واحدة، لوجد كل منا شبحه الملائكي الخاص به، الذي يداري خساراته العاطفية ويجعله أكثر تقبلاً وانفتاحاً على الحياة.

كم نحن بحاجة إلى ممحاة كبيرة تزيل غبار الشعارات السياسية من الجدران المتعبة، نستبدلها بتلك العبارات البسيطة في تلقائيتها والمؤثرة في قوة حضورها، حتى تكون جدراننا وشوارعنا وحافلاتنا رحيمة بما يكفي لتقول لصديقتي:

ــ ارفعي رأسك عالياً، وارسمي ابتسامة ساحرة على شفتيك، وجهزي لنفسك كوكتيلاً من أطيب الفواكه، وانطلقي!.