الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

توْبَة قلم

لا يمكن دائماً تحديد دوافع ما يخطه القلم في أي زمان ومكان، سواء كان في تأليف كتاب، شعر، مقالة، أو رسائل نصية تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التعبير.

فقد تكون الدوافع قناعة راسخة في عقل ووجدان الكاتب، الذي يكتب بأسلوب معتدل دفاعاً عمّا يُؤْمِن به، فيبين محاسن ومناقب ما ينتمي له، ولا يتردد أن يكون من الناصحين، وأحياناً قد تكون المناسبات المتعلقة بما يميل له سبباً في الكتابة.

وهناك من يكتب في كل الظروف المتعلقة بما يعتقد أنه جزء منه بصرف النظر عن صحة أو صدق ما يحاول أن يوصله للآخرين، فكل ما يهمّه أن تكون كتاباته مساهمة فيما يُؤْمِن به بصرف النظر عن رأي الآخرين فيما يخطه، وهذه الأقلام إن لم تكن دائماً دوافعها ماديّة، إلا أنها لا تمانع أن تذهب إلى أقصى التطرف الكتابي في سبيل قناعاتها.

وهناك من يُكْرِه القلم على أن ينافق أو يداهن وذلك لتحقيق مصالح ومآرب خاصة له، (وتنزيهاً للقلم)، فإن ما في يده صلصالاً يشكله كبندقية يصوبها تجاه المبدعين والمخلصين لأوطانهم ومجتمعاتهم، وذلك للنيل منهم وتسويق بضاعته الرخيصة المتمثلة في عقلية مريضة وقلب أعماه الحقد، أو يحوله لحربَة يطعن بها ظهور منافسيه الشرفاء حتى يثبت لمن يستهدفهم بالتزلف والتقرب منهم أنه هو الأفضل.

وكم هو مؤلم عندما يُجبر القلم أن يكون مطرقة قاضٍ في يد جاهل يحكم على تاريخ الآخرين بالنفي، ويزور الحقائق، ويصدر حكمه بإعدام أقلام رفضت أن تشاركه مداده.

وتتفاوت الأقلام في توبتها، فأصدق التوبات تكون توبة قلم تغيرت قناعة صاحبه، أما الأقلام المجبرة أن ترضخ وتكتب لإرضاء الآخرين، فإنها تكون الأسرع للتّوبة بمجرد أن تتغير الظروف والفرص، وتتخلص من سيطرة من ترضيهم.

ولكن علينا أن نحذر من توبة الأقلام المرتزقة التي قد تعلن ندمها وأسفها على ما رسمت من حروف وكلمات في فترة ما، بينما الحقيقة أنها تتحين الفرص لتهيم في وادٍ جديدٍ بحثاً عمّا تبقى من غثاء السيل لتقتات عليه بعد أن انتفت مصالحها السابقة، فكم من هذه الأقلام كانت وبالاً على كيانات وأشخاص عندما لم تَصْدُقُها القول لا بتحليلاتها ولا بآرائها، ولا نبهتها لمكامن الخطأ أو الخطر حتى وقعت الكوارث والخسائر.