السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

محنة النُّخب الثَّقافية العربية

سئلت قبل أيام قليلة، في استضافة زومية (على تطبيق الزوم) عن حال المثقف والنخب العربية اليوم، في ظل التحولات الصارخة والقوية التي يتعرض لها العالم، وعن السبل لتحريكها لتلعب دورها كاملاً في مجتمعاتها، وإخراجها من استكانتها إلى الهوامش التي تعطلها عن الفعل التغييري الإيجابي في المسارات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تراها في اعوجاج كلي.

هنا نتساءل: لماذا تصمت هذه النخب حيث يجب أن تتكلم وترفع صوتها؟، ولماذا تتكلم حيث يجب أن تصمت وتتأمل قليلاً الأوضاع لتكون أحكامها أدق؟، ولماذا تنتقد النخب النظم العربية كلها، وعندما تصبح داخل المؤسسة تنسى نفسها وأفكارها كلياً، وتخون مثلها العليا، فتتغير بسرعة بحيث ترتدي لباس النظام الذي انتقدته طويلا؟، وبدل الإسهام، من خلال موقعها، في تصحيح الاعوجاج ونقد الأخطاء والعمل على تقويمها، واستثمار ثقافتها للسير بالمجتمع نحو التقدم، تسير باتجاه الاسترضاء.

ولأن المثقف العربي في عمومه، عندما يدخل إلى المؤسسة، يعمل جاهداً على الاستمرار أكبر مدة ممكنة في منصبه، ويشغِّل لذلك كل الآليات الإدارية التي تضمن هذا الاستمرار، وليس كيف يصلح لأنه يخاف من إغضاب من وضعه في ذلك المكان تحديداً، وبذلك تخسر النخب الناقدة في النهاية مشروعها في الإصلاح الذي جعلت منه رهاناً كبيراً، وتدخل في دائرة التسليم بالأمر الواقع، وهذا يحتم عليها نقداً ذاتياً صارماً إن هي أرادت أن تكون فاعلة في مجتمعاتها، والظاهرة ليست مستجدة عربياً ولكنها صاحبت المثقف العربي دوماً، وتستند على ميراث ثقيل تأسس عبر العصور، وكان يُفترض نقده وغربلته قبل مناقشة معضلات العصر الذي نعيشه والدور الذي على المثقف أن يلعبه فيه، لأنه إذا لم يخترق النقد اليقينيات والمسلمات المعطلة لا يستطيع أن يتخطاها باتجاه وضع أفضل.


ولنا في العصرين الأموي والعباسي، خير النماذج الحية التي تؤكد على ما نقوله من التباس في وظيفة المثقف وفي موقعه، فقد أصبح المثقف في هذين العصرين أداة للتبرير لا أكثر، وتخلى عن نزعته النقدية الإصلاحية للنظم.. أصبح يلمس الظلم بل ويسهم فيه دون أن يعمل على تغييره داخل هذا المنطق، فالمثقف الجيد هو من يضمن استمراره داخل المؤسسة، لهذا لا غرابة في أن تجد النخب العربية اليوم نفسها أمام مأزقين متصلتين.. الأول: يتلخص في كونها لا تنتج معرفة مواكبة لمعضلات العصر الذي تعيشه لأن أطروحاتها كثيراً ما تكون مرفوضة أو غير مقبولة، سواء كانت أصولية متجددة أو حداثية، أو حتى محافظة عادية.


والمأزق الثاني هو أنها، حتى عندما تتجاوز صعوباتها الوجودية وتنتج هذه المعرفة، فهي لا تعرف كيف، لأن قدرة الاستيعاب الجماهيرية محدودة، وغير مهيأة لأي تغيير في الذهنيات، ولا نظنُّ أن السبب يعود لمشكلة الأميَّة وحدها، ولكن لغياب الاستراتيجيات والوسائط التنظيمية التي تنقل المنتَج المعرفي الذي سهلته العولمة، نحو من يحتاجها ويطلبها، لذا العلاقة بين النخب والجماهير الواسعة تتفاقم كل يوم أكثر، مما يحدُّ من دور النُّخب العربية في التغيير.