السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الكتابة الإبداعية

تشكو صديقتي كلما التقيتها؛ من أنها لم تزل عالقة في منتصف روايتها، التي بدأت بكتابتها قبل أكثر من سنة، ومثلها يشكو زميل تخرج في كلية اللغات، قائلاً: لديّ أفكار لأفلام سينمائية مذهلة، لكنني لا أعرف كيف أبدأ بتدوينها وتحويلها إلى سيناريو احترافي.

ومثل صديقتي وزميلي سمعت كثيراً من الذين لديهم مواهب في الرسم والموسيقى والنحت، لكنهم لا يعرفون كيف يحولون أفكارهم إلى أعمال حقيقية.

والمشكلة أن لا أحد لديه نصيحة عملية لهؤلاء الأصدقاء والزملاء.. فالموهبة وحدها ليست كافية، والفن والأدب وكل عملية إبداعية، لا تولد إلا من الصعوبة، حتى عبقري بمستوى دافنشي عمل صانعاً في مشغل أستاذه فيروجيو وتعلم منه، ودرس بيتهوفن على يد هايدن وسالييري، وقبلهما كان يسهر الليالي الشاقة لكي يتعلم من والده أبجديَّات الموسيقى.

في عصرنا هذا، لم تعد تلك المشاغل موجودة، ولم يبق الأساتذة يقدمون الدروس لتلاميذهم الموهوبين، إذْ تحولت الخبرة البشرية الإبداعية إلى أكاديميات في الفن والموسيقى، ثم شملت «الكتابة الإبداعية» لتصبح مادة دراسية في عدد من الجامعات العالمية.

وفي هذا المجال، ما تزال جامعاتنا غير مهتمة بتدريس مناهج تتعلق بالكتابة الإبداعية، خاصة في فن الرواية، وربما يأتي ذلك من أننا نعتقد أن الروائي يجب أن يولد روائياً، دون أن نتذكر أن الرواية فن حديث جداً على ثقافتنا الأدبية، قياساً لخمسة قرون من عمرها في القارة الأوروبية مثلاً.

قلت لصديقتي: ليس لديك حل سوى القراءة، ودراسة أعمال الأدباء الذين تحبينهم والذين لا تحبينهم أيضاً؛ والدراسة هنا تختلف عن القراءة، لأنها تتطلب التدقيق والملاحظة ومعرفة أسرار اللعبة من داخلها.

يقول الكاتب البريطاني- الياباني كازوو إيشيغيرو: تعلمتُ من بروست إنه ليس من الضروري أن تمضي أحداث القصة في خط مستقيم، وإنه بوسعك الغوص في أعماق ذاكرتك؛ وتعلمتُ منه أيضاً كيف يمكن للمَشاهِد أن تتوالى بطريقة لا تخضع لآليات الحبكة، وهو ما منحني حرية تشبه تلك التي يتمتع بها الرسام التجريدي، كما تعلمتُ من همنجواي كيفية إخفاء المعنى بين السطور، وأنا مولع بدوستويفسكي، ومع ذلك لم أتأثر به كثيراً في كتابتي.

قلت لها ذلك، ونسيت أن أضيف لها: لماذا لا تنسين أمر روايتك تلك، وتكتبين رواية جديدة؟

أحياناً يكون الطريق مسدوداً لأننا بدأنا من المكان الخطأ.