الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

دِبلُوماسيّة القلم

يمكن القول إنه لم يتم حتى الآن الاتفاق على تعريف موحد للدبلوماسية، وكلٌّ عَرّفَهُ من الزاوية التي ينظر منها بعيداً عن أصلها اللاتيني التي تعني وثيقة رسمية، ولكن يمكننا تلخيص الدبلوماسية في كلمتين هما (التصرف بحكمة).

ولدبلوماسية القلم أدبياتها القريبة من ملامح أدبيات الدبلوماسية السياسية، التي منها التصرف بكياسة وعدم الاندفاع، والتريث قبل التفوه بكلمة، لأنها قد تكون لها عواقب وخيمة في علاقات الدول مع بعضها، فكذلك القلم إذا أخرج مداده ووصل لنظر الآخرين، فقد ترك مصير ما أخرجه لِحُكْم الناس وردود فعلهم.

فلهذا تعتبر الدبلوماسية في الكتابة جزءاً مهماً من الذكاء الكتابي، وهناك من يخططون لذلك قبل أن يخط قلمهم حرفاً لا سيما من يحاولون تجاوز المحظورات بأسلوب لا ضرر عليهم، وأحياناً لا ضرار على الآخرين، كما أن الدبلوماسية الكتابية تستخدم في حالة الرسائل غير المباشرة المُعْتَمِدة على فهم الآخرين، ومن أهم استخداماتها إقناع الآخرين بوجهة نظر كاتبها.

ومن الطبيعي أن تكون هناك عوامل كثيرة تؤثر في تفاوت الدبلوماسية الكتابيّة بين كاتب وآخر، منها ما يعتمد على الملكات الذاتية للكاتب ومدى امتلاكه لأدوات الذكاء الكتابي.

ويَخْلِط البعض بين القلم المعارض ودبلوماسيَّة القلم، فلكل منهما فلكه الذي لا يلتقي مع الآخر، فالقلم المعارض قلم متمرد بطبعه سواء كان مُحقّاً أو معتدياً، بينما صاحب دبلوماسية القلم يحاول أن يصل لمبتغاه بصورة غير تصادمية، مع خلق مساحات أوسع للتفاهم مع الآخرين، ولا يغفل أثناء مروره لتجاوز الخطوط الحمراء أن يرسم علامات تدلّه للرجوع إذا احتاج لذلك.

وليس من المقبول أن يكون النفاق الواضح والصريح، أو المجاملة الزائفة المكشوفة من دبلوماسيّة القلم، لأن دبلوماسية القلم هي احتفاظ القلم بصلابته ورشاقته، دون أن يشعر الآخرين برضوخه أو التعالي عليهم.

ولا يمكن تصنيف دبلوماسية القلم بأنه نوع من عمليات الخداع، لأن الدبلوماسية في معناها العام هي استخدام الحكمة في التعبير من خلال إزاحة العراقيل بصورة ناعمة، رغم أن في أحشاء القلم كلمات عنيفة يستخدمها كدبلوماسية ضاغطة إذا لزم الأمر، وكثيراً ما يتم الاستعانة بدبلوماسية القلم لإيصال الفكرة أو الرسالة للقارئ المعني، وفي طياتها مصالح للقارئ أكثر وأكبر من الكاتب الذي استخدم دبلوماسيّة القلم، ما لا يترك مجالاً لاتهام الدبلوماسي في كتاباته بأنه مخادع.