الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مراحل من الفوضى الإعلامية

مرّت الصحافة بمراحل متسارعة خلال العقدين الأخيرين، وبطريقة، عجز المتخصصون في رصد تاريخ الإعلام، عن التكهن بها، فحتى مطلع القرن الـ21، كانت الصحافة الورقية تتسيّد المشهد الإعلامي مع بروز أحاديث خافتة عن تحولات، قد تفرضها التطورات التكنولوجية والاتصالات، وتحديداً شبكة «الإنترنت».

كانت الصحافة الورقية تسير بثقة في عالم الإعلام، وتتوسع بشكل مذهل، لكنها ظلت محكومة بضوابط مهنية وأخلاقية شديدة، بما في ذلك ما كان يعرف بالصحف الصفراء التي كانت أكثر تحررّاً من قيود الصحافة التقليدية في الشكل والمضمون، ومع بداية الألفية الثالثة، ظهرت بعض المواقع الإخبارية العربية على شبكة الإنترنت، وكان ينظر إليها في الوسط الإعلامي كحالة طارئة ومؤقتة، لن يكتب لها النجاح ولن تستطيع مقاومة سطوة ومكانة الصحافة الورقية، غير أن بعض الصحف العربية الكبرى فضلت مسايرة ركب الشبكة العنكبوتية من خلال إنشاء مواقع شحيحة المضمون.

دارت عجلة التطورات بعد ذلك بشكل خالف كل التوقعات، وأصبحت الصحف الإلكترونية تشكل خطراً داهماً وحقيقياً على الصحف الورقية التي مرت بأسوأ مراحلها، وتحول كثير منها للشكل الإلكتروني، غير أن الأسوأ لم يأتِ بعد، حيث كانت مفاهيم الإعلام التقليدية تمر بمرحلة عصيبة تساقطت معها القيم المهنية للصحافة التي تكونت عبر عقود طويلة، وكان ذلك بفعل الفوضى التي أنتجتها الصحافة الإلكترونية التي لم تكن تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة المهنية أو الأخلاقية، ما جعلها نفقاً مظلماً تسلل منه المئات من غير المختصين والمهنيين إلى مهنة الصحافة.


الأسوأ.. حدث بعد ذلك عن طريق ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، التي ضاعفت حجم الفوضى الإعلامية، خصوصاً مع نشوء مصطلح «المواطن الصحفي»، وتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى مواقع خصبة لنشوء الأخبار المزيفة والدعايات الموجهة والحملات الإعلامية الممولة، حتى إن محاولات بعض الدول تنظيم «الصحافة الإلكترونية» تعثرت بالفعل، نتيجة النمو المتسارع لهيمنة مواقع السوشيال ميديا، التي أنتجت واقعاً إعلاميّاً جديداً، ليس بمقدور الدول والمجتمعات تنظيمه وضبط إيقاعه، وهو الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة، نتيجة ارتباك المفاهيم والمصطلحات، وزوال الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وحرية الإساءة، وبث الأكاذيب، وبروز ما يعرف بظاهرة «الذباب الإلكتروني» التي زادت من حدة التعقيدات المرتبطة بالإعلام، وعمَّقت أزمة الصحافة الحقيقية التي غابت تحت جبال الفوضى الإعلامية.