الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

قانون للوساطة في تسوية المنازعات

المنازعات حقيقة واقعية لا يمكن تفاديها، سواء تلك الناشئة عن عقود ومعاملات محلية أو الأخرى العابرة للقارات من خلال عقود التجارة الدولية المرتبطة بالسلع والخدمات، وبعد الجائحة، أصبح المشهد في مجال «المنازعات المدنية والتجارية» يحتاج إلى نظرة غير تقليدية لتوفير حلول «تسوية» ناجزة وغير مكلفة، لتحفيز الأطراف على التسوية الودية عبر منصة «الوساطة» لتتكامل مع منصتَي التحكيم والقضاء.

ولأن إمارات الريادة لا يمكن أن يفوتها أن تمتلك مؤسساتها العدلية والقضائية «آليات» و«منصات» و«محفزات» لتجعل من التسويات القائمة على «الوساطة» واقعاً له مساراته الفاعلة، تشريعياً وتنظيمياً ومؤسسياً، وبصورة متكاملة مع التحكيم والقضاء، ترسيخاً لتنافسية الدولة في مجال العدالة ذات الأبواب المتعددة «Multi-Door Justice»، فقد جاءت القرارات التي أقرها مجلس الوزراء أخيراً بالموافقة على إصدار قانون اتحادي بشأن الوساطة لتسوية المنازعات المدنية والتجارية، وقانون اتحادي آخر لتعديل القانون الحالي بشأن مراكز التوفيق والمصالحة، ليكون خطوة أولى في رحلة الإمارات نحو بلوغ مكانتها الريادية ضمن قائمة أفضل الدول في آليات تسوية المنازعات المدنية والتجارية، وساطة وتحكيماً وقضاء، والتي تتنافس على مراتبها الأولى بريطانيا وفرنسا وسنغافورة لجذب أطراف المنازعات من خارج تلك الدول، لتسوية منازعاتهم لديها تحت المظلة التشريعية ذات الاستقلال والموثوقية والتحديث المستمر، حتى باتت دولة مثل سنغافورة تستثمر في صناعة تسوية المنازعات، وساطة وتحكيماً، كأحد مصادر الدخل المحلي.

لا شك أن قرارات حكومة الإمارات جاءت لتواكب احتياجات أطراف خصومة يتطلعون إلى حلول عملية عبر تفعيل «البديل الثالث» القائم على الوساطة، أو ما يعرف بالعدالة الاتفاقية، لتكون تلك العدالة ليست فحسب ممثلة في صورة مراكز ومؤسسات وإدارات تؤدي أعمالها بنمطية التواجد الشكلي الإجرائي، ولكن من خلال وجود هيكلي فاعل تُؤازره بنية تشريعية حديثة وآليات موثقة تحقق إتاحة وتعدد وفاعلية بدائل تسوية المنازعات، وتحرص على تمكين الوسطاء والموفقين وغيرهم من سدنة العدالة الاتفاقية، والحقيقة، أن الصلاحيات التي تم إقرارها أخيراً لوزارة العدل والجهات القضائية المختصة، سوف تؤسس لفصل جديد في البنية التشريعية الإماراتية لتكون الوساطة حاضرة وفاعلة بأدوات تنظيمية ومنصات إلكترونية، لتصبح الوساطة آلية مساندة للتحكيم والقضاء، وليست بديلاً عنهما.


والسؤال الذي سيكون موضوع مقالنا المقبل: ما الممكنات المطلوب تفعيلها لتحقيق الغايات المنشودة من إصدار قانون اتحادي للوساطة؟