الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نداء نوال السعداوي الذي تحقق

لا شيء يشعر الكاتب والمصلح بالرضا، قدر أن يجد أفكاره تتحقق على أرض الواقع، حتى لو حدث ذلك بعد عقود، وهذه هي حال د. نوال السعداوي، الروائية والكاتبة الطبيبة، التي رحلت عنا الأسبوع الماضي، فهي منذ خمسينات القرن الماضي حين كانت طبيبة شابة تعمل لدى وزارة الصحة المصرية، رفعت صوتها منددة بختان الإناث، معتبرة تلك عادةً ذميمة ومدمرة صحياً ونفسياً للطفلة، ومطالبة بالإقلاع عنها وتجريم من يمارسها.

نشأتها الريفية ومشاهداتها لمعاناة الفتيات، فضلاً عن دراستها بكلية الطب، جعلها تدرك مضار مثل هذه العادات، نُصحت أن تخفف من لهجتها، وتحول النصح في بعض الحالات إلى التهديد بأن تفقد مستقبلها الوظيفي والمهني، لكنها تمسكت بموقفها وراحت تدافع عن فكرتها، ثم أضافت إليها التحذير من زواج القاصرات، حيث كان القانون المصري يحدد سن 16 عاماً لزواج الفتاة (تم تعديله فيما بعد)، وكان الحادث وقتها في الريف، خاصة أنه يتم الزواج في سن أصغر من ذلك.

حاول كثيرون إسكات نوال السعداوي، لكنها لم تسكت ولم تخف، وراحت تكتب مقالات وروايات تدافع فيها عن أفكارها، وكان ذلك بداية ومدخلاً لأن تناضل دفاعاً عن قضايا المرأة وحقوقها، والحق كان هناك من سبقها في الدفاع عن المرأة، نجد ذلك مع رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه المرشد الأمين للبنات والبنين، ثم الكاتبة المصرية -لبنانية الأصل- زينب فواز، وبعدها قاسم أمين ولطفي السيد وسلامة موسى ودرية شفيق، هؤلاء جميعاً دافعوا عن المرأة في إطار النهوض بالمجتمع كله، لكن نوال السعداوي دافعت عن المرأة من منطلق نسوي بحت، ترى فيه أن المرأة ينبغي أن تكون مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، واختارت التعبير عن آرائها بكلمات حادة وصارمة.


تعرضت د. نوال لحملات تشويه شديدة من القوى الأصولية والمتشددة دينياً، لكن ذلك لم يزدها إلا إصراراً على أفكارها، وفي السنوات الأخيرة لحكم الرئيس حسني مبارك تأسست وزارة لشؤون الأسرة تولتها السفيرة مشيرة خطاب، كانت القضية الأولى لهذه الوزارة مواجهة ختان الإناث وزواج القاصرات، وساند الأزهر الشريف وكذلك دار الإفتاء المصرية، القضيتين، وذكرت دار الإفتاء أن ختان الإناث لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية وأنها مجرد عادة يجوز محاسبة من يقدم عليها، طالما أنها مضرة طبياً، وصدر قانون يجرم ممارسة ختان الإناث.


يوم وفاتها أصدر المجلس القومي للمرأة بياناً، مثّل اعترافاً وتقديراً لدور هذه السيدة وما قدمته للوطن، وللمرأة تحديداً.