الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كاسيت.. ذكريات وتكنولوجيا

توفي مؤخراً المهندس الهولندي، لو أو تنز، مبتكر شريط الكاسيت الذي أحدث ثورة عالمية في المحتوى السمعي، حيث تم بيع أكثر من 100 مليار شريط كاسيت في العالم، واستطاع الناس لأول مرة أن يستمعوا إلى الموسيقى متى أرادوا، وأينما كانوا ولأكثر من مرة، وهذا ما كان مستحيلاً قبل الكاسيت.

كم سهرنا وعشقنا وكبرنا بجوار آلة التسجيل التي كانت تشرح مشاعرنا بأصوات المطربين! علاقةٌ طويلة، جمعت بين جيل الثمانينات والتسعينات مع أشرطة الكاسيت، فكان الذهاب إلى المحالّ وشراء كاسيت مطربك المفضل، أو انتظار نزوله في الأسواق له متعة من نوعٍ آخر.

في زمن الطيبين يعتبر الكاسيت معجزة نظراً لحجمه الصغير، والذي سهّل على الملايين حياتهم، فاستخدم في المدارس من أجل تعلم اللغات (بلسان أهلها)، أو الاستماع لكبار قراء القرآن الكريم من أجل تعلم (التلاوة)، وكالعادة ظهر لك البعض ليهاجم هذا الاختراع الجديد واعتبروه حراماً، ولكن بعد نجاح ثورة الخميني التي قادها من قرية صغيرة في فرنسا عن طريق نشر مجموعة من الخطب (المسجلة على أشرطة الكاسيت)، وتسريبها إلى داخل إيران حيث تسببت في ثورة شعبية وانقلاب على شاه إيران، جعلت بعض رجال الدين والأحزاب السياسية في العالم العربي تنتبه لأهمية وخطورة هذا الاختراع الجديد، فاستغلوه لنشر أفكارهم ودعواتهم السياسية المغلفة باسم الدين.


كذلك استفاد من شريط الكاسيت الملايين من العاملين المغتربين في دول كثيرة، حيث استخدموه كوسيلة لنقل رسائلهم الصوتية إلى عوائلهم بدل استخدام (الحبر والورق).


ومن قوة تأثير الكاسيت تم تسجيل ونقل مسرحيات وأفلام ومباريات شهيرة عليه للاستماع لها في أي وقت وفي أي مكان.

كذلك كان بعض الشباب في الخليج يستخدمون شريط الكاسيت (كجسر محبة) بين الفتيات والفتيان، فإذا شاهدت اليوم سيدة تجاوزت الأربعين أو الخمسين، فربما كانت يوماً ضحية قذيفة كاسيت، ألقاها عليها أحد (القناصة) من الشباب أثناء سيرها في السوق أو عند الخياط، حيث يسجل على الشريط رقم هاتفه واسم الشهرة المزيف لتبدأ (شرارة الحب الكاذب) بين الطرفين.

كان الكاسيت رفيق الصباحات والسهرات المسائية، لكن الأيام تمضي، ومع التغير التكنولوجي ظهر الـCD وبدأ شريط الكاسيت رويداً رويداً في الاختفاء، حتى الـCD لم يستمر طويلاً بسبب التحميل من الإنترنت، فتلاشت الذكريات وتلاشت اللهفة، وأصبح كل شيء متاحاً بسهولة، حتى فقدت الأشياء قيمتها ومات شريط الكاسيت ولم يتبق منه سوى حلاوة الذكريات.