الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الكتاب رفيق.. والكتابة حنونة

كلما مررت أمام مكتبة لبيع الكتاب المستعمل يدور في خاطري نفس السؤال: كيف تخلَّى أصحابه عنه؟.. أنا أتعامل مع كتبي وكأنها قطعة من روحي، وأكون أكثر من سعيدة عندما أنظر إليها في رفّ المكتبة.. حبي للكتب يرجع لبيتنا، وكانت هدية نجاحي في الامتحانات المدرسية، وبخلاف الذهاب إلى متاجر الألعاب، الذهاب إلى المكتبة أيضاً.

كنت أفضل الذهاب إلى مكتبة تقع في منطقة وسط البلاد القريبة من بيتنا.. تمر السنوات ويكون مقر عملي قريباً من هذه المكتبة، وكلما دخلتها أحس كأن كل شيء في مكانه لم يتغير، لكن تلك المكتبة أصبحت عبارة عن ركام من الحجارة بسبب الحرب اللعينة، وإن صادف ومررت من نفس الشارع أحاول تحديد مكانها بين هذا الأنقاض.

لا أنسى أني عشت لحظات سعيدة مع قصة الكعكة الهاربة، والأميرة وحبة الفاصوليا، وسامر والعملاق، وليلى الحمراء والذئب، والمغامرون الخمسة، وغيرها.


بعد ذلك بدأت علاقة جديدة تتكون بيني وبين المجلات الفنية ومتابعة أخبار الفنانين، إلى مرحلة أعتقد أنها قاسم مشترك بيني وبين العديد من الفتيات وهي روايات عبير، وفي المرحلة الجامعية بدأت قراءاتي تختلف وكذلك اهتماماتي، وتلك الأشياء ميزت طفولتي وشبابي، وأتذكر أني صممت مجلة أسميتها (فنون) منوعة أخبار ومقالات مصحوبة بصور أخذتها من مجلات مختلفة، ورق المجلة A4.. كانت فكرة يدوية جميلة، أصدرت منها عدداً واحداً، واشتغلت على كتاب صنفته للأغاني التي أحب سماعها، وللأسف كل هذه الذكريات ضاعت في تنقلنا من بيت إلى آخر، وإلى الآن أحمل هم كتبي وأوراقي كلما ضاق المكان في البيت.


مع هذه العلاقة المبكرة مع الكتب والقراءة لم يكن يخطر ببالي أني سأكتب في صحف ومجلات وتنشر صوري، وأسافر بمفردي لقراءة الشعر، لكن مع دخولي الجامعة واختيار التخصص (صحافة) والكتابة في صحيفة الجامعة التي كان اسمها «قاريونس»، أصبحت كل تلك التجارب جزءًا من تكويني المعرفي والإنساني.. ينبغي على الإنسان أن يؤمن بأن ما يفعله هو أهم شيء في الحياة، وعليه أن يتمسك بحلمه.

بعدها بسنوات، مرت والدتي بمرض خطير، وهي الآن في السماء.. عشت هذه التجربة بكل تفاصيلها من الذهاب للأطباء والتعرف على الأدوية المختلفة.. كنت رفيقة لها لأيام وليال طويلة، وأخيراً أخبرني الطبيب في يوم كئيب: «البقاء لله».

بعد ذهاب الجميع ساد الهدوء، وكانت الكتابة رفيقة حنونة.