الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التَّطرُّف القرائي

لن نناقش قرار المتطرفين قرائيّاً، بأنهم لن يقرؤوا لكُتاب معينين بسبب جنسياتهم أو هيئتهم وملابسهم التي اختاروها أو لفكر يخالفهم، فالناس لهم مطلق الحرية في قراءة ما يشاؤون إذا لم تلزمهم المناهج الدراسية والوظائف والمهن على ما يقرؤونه.

ولكن التطرف القرائي يبدأ أثره عندما تتم الدعوة لعدم الاقتراب وقراءة كتابات الآخرين بحجج واهية، منها خشية الداعين من أن يتأثر مَن يتبعهم بتلك الكتابات، والبعض يخشى أن ينكشف ضعف الرأي أو الفكر الذي يتبناه، لا سيما إذا كانت كتبه لن تصمد أمام الكتابات التي يحظرها على أتباعه أن يقرؤوها.

التطرف القرائي له أشكال عدة، منها: أن يقوم شخصان أو أكثر بقراءة نص كتابي واحد، ولكن رغم ذلك يحاول كل واحد أن يجيّره لمآربه أو يؤهله بما يخدم توجهاته ومصالحه، ثم يأتي بعدهم آخرون ينقسمون وكل منهم ينحاز ويميل ويتشدد لفريق منهم وتتسع دائرة الخلاف، وتستحدث خلافات جديدة لا تمت للنص الكتابي الأول بصلة!

والتطرف القرائي ليس له هوية، فهو غير مقتصر على عرق أو فكر أو زمن أو مكان، فيكفي أن تبحث عن المكتبات التي تم إحراقها وإتلافها على مر العصور، لتصل إلى أن المتطرفين قرائياً هم أناس عاجزون عن مقارعة القلم بالقلم فبذلك أنزلوا حقدهم على الكتب والمخطوطات وأبادوها.

وأعداء الكتب يمارسون تطرفهم حتى يومنا هذا، فمنهم من يخرج علينا بين فترة وأخرى ليحرق القرآن بصورة استعراضية تنم عن تخلفه، ومنهم من يدعو إلى حظر كتاب لا يوجد فيه ما يخالف النظام العام أو الذوق العام، ولكن كل ما في الأمر أن الكتاب لا يوافق هواه الشخصي أو من في بؤرته من المتطرفين قرائيّاً.

ومن أصناف التطرف القرائي أن البعض يجتزئ من الكتاب الواحد بعض الكتابات التي توافق هواه، بينما يتجاهل ما لا يروق له من ذات الكتاب، ولو كان على حساب أن تخرج الفكرة ناقصة أو مشوهة، كما أن البعض يقوده تطرفه القرائي إلى أن يستغل البيئة التي لا تبحث عن الحقائق فيحور ما يقرؤه من كتابات لتضليلهم.

ولن نشغل أنفسنا بالسؤال: هل التطرف الفكري جاء بالتطرف القرائي، أم أن التطرف القرائي هو الوقود للتطرف الفكري؟ لأن الإجابة ستكون كارثية وواحدة، وهي أن كلّاً منهما يورث الإرهاب الفكري والدموي.