الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الجفاف المعرفي

أكثر ما يثير دهشتي وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تفوق أطروحات بعض المغردين المغمورين على أطروحات أشخاص يقدمون أنفسهم على أنهم مثقفون وأساتذة جامعات وأصحاب خبرات واسعة في مجالي الصحافة والإعلام.

هذه الملاحظة الشخصية، أعادت إلى ذاكرتي مقولة للمفكر الفرنسي جان بول ساتر «يبدو لي أن كل ما أعرفه عن حياتي، تعلَّمتْهُ من الكتب!».

فعلاً، فالكتب مخازن المعرفة، ومتى انفصل الإنسان عنها، يعود إلى حالة الجفاف المعرفي من جديد، مهما كانت درجته العلمية ومهما بلغت مكانته الفكرية، فالمعرفة تحتاج إلى تجديد مستمر لتبقى حية وقابلة للتداول، وبدون هذا التجديد تتحول إلى ما يشبه الأوراق الصفراء المهترئة، مصيرها التجاهل والإهمال.

قبل سنوات طويلة زارنا في الجامعة بروفيسور عربي، يحمل معه سيرة ذاتية حافلة بالأمجاد القديمة، ونظراً لمكانته العلمية المرموقة رافقه رئيس القسم إلى قاعة المحاضرات، وقدمه لنا قبل المحاضرة الأولى، فأنزلناه منزلته وأنصتنا له باهتمام.

لكن بمرور الأيام، بدأنا نلمس انفصاله التام عن الواقع، وعدم إلمامه بمستجدات العصر، وإصراره على غمرنا بمعلومات قديمة تجاوزها الزمن.

عندما نقلنا إلى رئيس القسم ملاحظاتنا الشخصية حول البروفيسور الزائر، أذكر أنه اعترف بأنهم تسرَّعوا في التعاقد معه، وأشار إلى حقيقة مهمة مفادها: أن الألقاب العلمية الرفيعة والسير الذاتية المتخمة بالخبرات في كثير من الأحيان تكون خادعة، ولا تعبر بدقة عن حقيقة الإنسان.

أعود لمقولة سارتر وأقول: إن آفة الكثير من المثقفين اليوم أنهم توقفوا تماماً عن القراءة، وركنوا إلى معارفهم القديمة، يعيدون اجترارها ما بين الحين والآخر.