الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحبُّ.. الذي لا أملَ منه

في محاولة خجولة لتتبع العلاقة الغرامية الملتبسة التي جمعت الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر بتلميذته، المنظّرة السياسية حنا آرندت فيما يقارب الخمسين عاماً، وجدتُ وعبر مراسلاتهما تحديداً، اندفاع لا نهائي من اللهفة من جانب حنّا آرندت، التي تبدو وكأنها صمدت في وجه السنوات المتراكمة بتبدلاتها الصعبة، مروراً باعتقالها من قبل النازيين وهروبها، ومن ثم الهجرة إلى ما وراء المحيط بالإضافة إلى مراقبة أهوال الحرب العالمية الثانية، يفاجئ القارئ بهايدغر الفيلسوف المتيبس في مشاعره وتعبيره عن الحب، مثل شجرة جففها الزمن، وأصبحت تجرح في حافاتها كل من يقدم على تحسسها.

في بداية الأمر، شعرتُ بنوع من التعاطف العميق نحو آرندت التي ظلت وفيَّة لقصة لا أمل منها، فهيدغر متزوج قبل اللحظة التي عرفته فيها، ثم إن موقفه غير واضح تماماً بخصوص الممارسات العنصرية التي تمسُّ عِرقها، وكانت مراسلاته معها تنطوي على شيء من القسوة واللامُبالاة، ولكن في الجهة الأخرى، نجد أنه يعاني من شيء ما، يروق لي تسميته؛ حبسة في المشاعر، فهذا هو حاله، مع تلامذته وأساتذته على حدٍّ سواء.

وبالرغم من أنه يصنف كأعظم فيلسوف في القرن العشرين، إلا أن محاولاته الشعرية في تلك الرسائل جاءت مضحكة ومثيرة للسخرية، وكنتُ أتساءل مع نفسي: ما الذي يدفع بمفكرة عملاقة مثل آرندت، بالتورط في هذه المشاعر، التي لم تستطع التخلص منها رغم انهماكها بكل ما هو عقلي ونظري؟!


إنَّ المشاعر بصيغتها الأبديَّة المُقاومة للملل، يُشترط فيها بقاؤها رهينة حتميّة للخيال، فما إن تسربت نحو كل ما هو يومي وعادي، فإنها تتجه دون شك نحو نسختها الفانية، النسخة الزائلة بقوة الواقع.


هذا ما عاشتْ من أجله حنا آرندت، من أجل خيالها الخاص، ومشاعرها التي تتزود بوقود اللاأمل، وما ساعدها على إبقاء فكرة الخيال مشتعلة، هي الحبسة التي عانى منها هيدغر في تمييع مشاعره، ومقاومته في جعلها مشاعة.

تلك هي الحرب الباردة بين الحب والاقتراب من قول شيء ما، ليسَ من المقدر لكَ أن تتفوه به، وهو الكيان المثالي لقصة مثيرة، يمكنها أن تمكث في الذَّاكرة طويلاً.