السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مصطفى محمود.. الحائر والزّاهد

لم أعرفه في الفترة الأولي من حياته، وهي الفترة التي شهدت مشاغباته الفكرية في روز اليوسف، لكنني اقتربت منه حين بدأت رحلته مع الزهد والتصوف واليقين، وكنا نلتقي كل أسبوع حين يأتي بمقاله الأسبوعي للأهرام، وكثيراً ما جمعتنا حوارات ممتعة في مكتب كاتبنا الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس، وكان الجدل بينهما يتسم بالحب والإقناع، وكان كل منهما يفهم الأخر جيداً لأنهما أبناء مدرسة صحفية واحدة، وإن اختلف المسار بينهما في أخر المشوار..

ولعل هذا ما يذكّرني بلقاءات فكرية ودينية عميقة، حين كنا نلتقي في عزبة الأستاذ إحسان في الهرم مع فضيلة الشيخ الغزالي والد زوجة الصديق محمد عبدالقدوس.

لقد كان إحسان ولا يزال الكاتب المشاكس، بينما كان مصطفى محمود قد ارتاح إلى شاطئ اليقين رغم أنه اهتم كثيراً في نهاية حياته بقضايا الكون والإنسان، ووجد فيها راحته ويقينه بعد رحلة سفر طالت.


كان مصطفى محمود أقرب الأصدقاء إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب، ولم يخلُ الأمر من مقالب خفيفة يدبرها عبدالوهاب في مصطفى محمود، خاصة بعد أن علم أنه ينام في خلوة أقامها في آخر مسجده في المهندسين.


وكان مصطفى محمود سعيداً وهو يشهد بناء المسجد، وكانت سعادته أكبر وهو يقيم مركزاً للخدمات الطبية فيه يعالج الناس بمبالغ زهيدة، وفي آخر أيامه اعتكف في شقته المتواضعة في الزمالك، وكنت أزوره فيها، فأجده سعيداً راضياً بما قدّم.

رحلتُه مع الزُّهد واليقين أجمل وأعظم رحلات حياته، وكان إنساناً مرحاً راضياً زاهداً، ولهذا بقي في قلوب محبيه وما أكثرهم، كما أن تأملاته التلفزيونية مثّلت نفحات ربانية لا تزال تُسعد الملايين الذين أحبوه حتى الآن، وكلما ذهبوا إلى مسجده في المهندسين صلاة أو علاجاً دعوا له بالرحمة والقبول.. كان نموذجاً فريداً في مشوار حياته ومواقفه وتقلباته..

وكانت المرحلة الخصبة في رحلته تلك التي استراح فيها على شاطئ اليقين، وأدرك حقيقة الأشياء والبشر والحياة.

لقد كان نموذجاً فريداً في مشوار حياته ومواقفه وتقلباته، وما بين المفكر الحائر والمتصوف الزاهد عاش رحلته.. أخذ الفكر نصف عمره الأول، وأخذ اليقين نصف عمره الثاني، ورحل راضياً عن مشواره في كل الحالات وبقي علامة في ثقافتنا العربية لها كل العرفان والتقدير.