الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

« سناء الخراز».. والأغنية الوطنيّة

شيء من الحنين دفعني للعودة إلى أغانيها القديمة، كانت حقبة فاخرة فأنتجت أصواتاً بفخامة صوتها ومنحتها أغاني اتسمت بالخلود برغم كل الأحداث التي مرت، إنها المطربة الكويتية سناء الخراز التي بدأت شهرتها في سبعينيات القرن الـ20 بأداء الأغاني الوطنية في الأوبرات الضخمة، ولم يكن الكويتيون وحدهم ينتظرون احتفالات العيد الوطني ليبتهجوا بأداء سناء الخراز وشادي الخليج، بل كل الخليجيين وكثير من العرب.

لن تجد الكثير من المعلومات حول الفنانة العظيمة سناء الخراز في الشبكة العنكبوتية، فليس لها مقابلات فنية على البرامج الكويتية أو العربية، ولا مقابلات صحفية في الجرائد القديمة، وربما يكون ذلك نوع من التقصير الشخصي من الفنانة في توثيق حضورها وإنجازها إعلامياً، لكن سناء الخراز لم تكن مطربة عادية تطل على مستمعيها.

كانت طالبة في المرحلة الإعدادية حين أبهرت الجميع بحضورها الصاخب في أداء الألوان الصعبة من الفنون الطربية في احتفالات الأعياد الوطنية بالكويت، التي كانت تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، وتابعها جيل كامل وهي تكبر سنة تلو سنة، يتعتّق صوتها ويتعمّد أداؤها البديع.


ومع أن تلك الاحتفالات توقفت، التي كانت تعد في حينها حدثاً وطنياً وثقافياً ضخماً، استمرت الخراز في غناء اللون الوطني حتى يومنا هذا، وأعادت تسجيل بعض الأغاني القديمة بإيقاعات وتوزيع جديد، ولكن دون الترويج الإعلامي السابق.


الأغنية الوطنية كانت سمة مرحلة تاريخية في الوطن العربي كاملاً، وأخذت في التراجع، كان للأغنية الوطنية مركباتها الخاصة، من تأليف قصائد مؤثرة إلى تصميم ألحان بمقاس الكلمات الفارهة، إلى اختيار الفرق والأوركسترات العظيمة الأداء، إلى انتقاء الأصوات والحناجر الذهبية التي ستؤدي الأغنية.

لم يعد هذا الفن جذاباً اليوم، ولم يعد الشعراء يبدعون في القصائد الوطنية، ولم يعد المطربون يميلون لأداء الأغنية الوطنية إلا ما ندر، وأحياناً بتكليف رسمي.

وبما أن سناء الخراز لا تزال مستمرة في أداء اللون الوطني، ولم تعتزل الغناء حتى الآن، وبرغم أنها والفريق المبدع الذي كان يعد ويدير الاحتفالات الوطنية الضخمة تمكنا من تطويع جميع ألوان فنون الطرب الكويتي والخليجي لتتناسب مع طبقات صوتها المتعددة، إلا أن طاقة فنية عظيمة مثل سناء الخراز لم تستثمر كما ينبغي في القرن الـ21 من المؤسسات الفنية، ولم تنل حظها الذي تستحقه من الحضور الفني والإعلامي، فهي مطربة موهوبة وملتزمة، وصوت عريق من زمن العظماء، ورمز وطني خليجي وعربي يستحق الاحتفاء والتقدير.