الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الأدب.. وتجربة «حسن منتو»

شاهدتُ فيلماً عن قصة حياة الكاتب الباكستاني «سعادت حسن منتو»، الذي تسببت الاضطرابات العرقية والمذهبية بالهند بعد استقلالها عن بريطانيا، بتركه لها والاستقرار بباكستان.

خرجتُ بعد مشاهدة الفيلم مشوشاً بين ممتنٍّ وناقم، لأنني لم أخلق كاتباً مهموماً بضمير إنساني يبحر به عكس تيار المجتمع، وهذا الشعور منبعه كوني، إذْ أرى: من مهمة القاص والراوي أن يكون كذلك، بكل ما يتوافق مع ضميره وإحساسه تجاه مشاهداته ومرئياته للمجتمع، مهما خالف بذلك جمهور الأغلبية الغارقة بالواجب والممنوع والنهي والتحبيذ لما تراه مسلماتها، التي لا يمكن المساس بها، فالكاتب هو المرآة غير المزركشة والصادقة، التي تظهر واقع الحال بسلبياته وإيجابياته دون تجميل وتلطيف ومواربة، بل بكل أمانة مهما كان شديداً ومستفزاً للمتلقي.

«منتو» الذي هزمه التيار وأضنته هجرته من مومباي إلى لاهور بعد الأحداث التي أدت لهجرة المسلمين الهنود لباكستان، لم يتمكن من تجاوز عامه الثاني والأربعين، فقضى منهكاً مريضاً فقيراً ومعدماً بعد أن فقد حرية الكلمة في موطنه الجديد، المبني على تراث قبلي متشدد في نظرته لكل ما يسميه أدباً بذيئاً دافع عنه منتو في محاكمته، التي تسببت بها قصته «اللَّحْم البارد»، وسط استنكار شعبي لما كتبه.


كان دفاع منتو عنها يتلخص في أن البذاءة اللَّفظية دارجة جداً ومستخدمة في الحوارات اليومية، وعلى مسمع من الجميع، ومع ذلك لا يتعرض ناطقوها للمحاسبة، بخلاف الكاتب الذي إن تضمنها في كتاباته استُهجن فعله، ويتم معاقبته وإذلاله، لأنه فاحش القول «كما يصفونه»، رغم أن ما ورد بكلماته ليس إلا انعكاساً لحديث وقصص دارجة لا تلقى أيّ منع وردع!