الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

«القدرة على فعل اللاشيء»

في الحقيقة هذا الأسبوع لم أستطع الكتابة، ولأني ملتزمة بعمود أسبوعي في صحيفة مرموقة، أجد نفسي متورطة أحياناً في البحث عن موضوع للكتابة، لكني لم أوفق بإيجاد موضوع مناسب يستدعي اهتمامي، استسلمت لنوبات من الكسل الذي لا أحبه في العادة. أتعرض لتشويش متعمد، أقرأ كتاباً ولا أتمكن من المضي في قراءته. أشاهد حلقة من مسلسلي المفضل وأضغط على زر التوقف، ثم أطمئن نفسي: هذا الأمر طبيعي، الجمود والانصياع نحو عمل لاشيء سمة بشرية. يهبط الكسل مثل غيمة ثقيلة ويقبض على فكرة الوجود، يعلق الواقع أحياناً، ليسَ كمحطة للاستراحة لأن الشعور الذي يرافقه عادة ما يكون محملاً بالذنب.

تثير سخريتي العبارات الإيجابية عن النجاح وقواعده الثابتة التي تتناثر هنا وهناك في المواقع: الناجح لا يتوقف عن العمل، الناجح لا يضيع الوقت، ومثل هذه من العبارات التي تشعرك حتماً بالفشل، وكأن الناجح كائن يحمل ذلك النوع من الجينات التي توجد في فصيلة القرود، مثلها تماماً لا يعرف التعب، وليسَ لديه فرصة لتأمل تجربته في هذه الحياة. التأملي في العادة يتأمل فعله كي يؤجله، وهذا ما يجعله أبطأ من أقرانه في تلمس خطواته، لكنه وعلى الأغلب يظهر بنتائج أكثر تماسكاً وأطول في المكوث. هذا هو القانون الذي لا يسمح به زمن السوشال ميديا، والذي يشترط السرعة كبند أول لتحقيق الانتشار، والذي أصبح مؤخراً مقياساً للنجاح. أراقب تطور حركة الصورة، على حساب حركة الجسد الذي يستدعي الجلوس من أجل رصد ديناميكية تقافز الآخرين من أمامك، ولكن على المدى البعيد، تبقى القوانين العضوية المبثوثة في الطبيعة مثل شفرة سرية هي التي تعمل، والتي تضم البطء كمعيار تفكري وواحد من مفاتيح تحقق فكرة النجاح الحقيقية.

هذا الكسل الذي يهبط علينا نحن ـ اللاهثين ـ وراء المجد، هو قرار الطبيعة المفروض علينا لتأمل تجربتنا في الحياة، وفي هذا التأمل وحشة، لأنه يشترط ابتعادك عن مقاصدك الآنية، والتي صيرتنا عبيداً لها، للحظة، للآن.. الذي سيجرفه التايم لاين بعد دقائق. وتبقى أنتَ مع نفسك.. تستبدل السؤال النمطي من «ما الذي فعلته»؟ إلى «ما الذي لم تفعله»، حتى وصلت إلى ما أنتَ عليه من إنجازات الآن؟

تربية الكسل، هوايتي المفضلة ضد ذلك الهوس الجنوني بالنجاح.