الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

محاكمة «مسلسل فريندز» القاسية

منذ أن قررت شبكة نتفليكس، إعادة بث حلقات مسلسل «فريندز»، وأنا أجدد اشتراكي في عضوية الجلوس الدائم على الأريكة المقابلة لجهاز التلفزيون، لا أتحرك منها ولا أسمح لأحد أن «يخطف» من أمامي وإلا سيضطرني لإعادة المشهد الذي كنت قد شاهدته في تسعينيات القرن الماضي.

لم أتوقَّف عند هذا الحد، بل تطوَّر الأمر إلى تعقُّب ردود فعل الجيل الحالي على المسلسل، وقراءة أغلب المقالات العالميّة التي تكلمت بهذا الخصوص، وقد هالني حجم ردود الفعل التي أثارها هذا الجيل على المستوى العالمي، حيث طالت المسلسل اتهامات كثيرة، بدءاً من تهمة التمييز العنصري لعدم وجود شخصية من ذوي البشرة السمراء، إلى تهمة معاداة «المثليَّة»، لأنه ليسَ من بينهم شخصية مثليّة".

بالإضافة للائحة طويلة من التهم التي أثارت غضب المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، مدفوعين بحساسية شعبوية تقودها سلطة «التريند» التي تملي على المستخدم الانصياع خلف «الهيجان المستحب من أجل الإنسانية»، وكلٌ يطمئن إنسانيته لينام رغيداً بسبب تغريدة كتبها، على الرغم من انعدام أهمية حسّه الإنساني في الواقع.

في الوقت نفسه، دفعت سلطة التريند حركات «الصوابيَّة السياسية» صاحبة النفوذ الإعلامي المؤثر في قضايا التمييز بكل أنواعه، نحو التطرف في تقييد مساحة الحرية الطبيعية لحركة الإبداع، وذلك من خلال النبش في كل جملة وإيماءة وموقف، غير مكترثين بالفترة الزمنية والظروف التي أحاطت بالجو الاجتماعي والثقافي الذي ظهر فيه المسلسل.

أفقدتنا هذه الحركات ومكاناتها الإعلامية الضخمة، والتي تنشر الحساسية مع كل عمل سينمائي أو درامي جديد، الكثير من الأعمال الكوميدية التي كان يمكن أن تصنع فرقاً حقيقياً ومتطوراً في الأسلوب الإبداعي، فعلى سبيل المثال، أعلن المخرج تود فيلبس«مخرج الجوكر»، أنه انتهى من مرحلة صناعة الأفلام الكوميدية التي عودنا عليها مثل«hangover» ، وذلك بسبب تطرف حركات «الصوابيَّة السياسية» التي لا تترك مجالاً في أي عمل كوميدي حتى تهاجمه.. لقد عودتنا هذه المؤسسات على استبدال تعصبات قديمة بنقيضتها التي تقدم اضطهادات جديدة ومن نوع مختلف.

في الكفة الأخرى، وفي عالمنا العربي على وجه التحديد، لا نزال نصارع من أجل الحقوق الدنيا للإنسان ما ينتج عنه استرخاء واضح في مشاهدة أعمال تلفزيونية لا تثير حساسيتنا، كما لم نزل عالقين في ثمانينيات القرن الماضي بالنسبة للعالم المتقدم، الذي لا يهتم للكوارث التي خلفها في بلادنا، بينما تُستفز حساسيته غضباً لأن مونيكا لا تحب بدانتها، وتحاول أن تقلل من وزنها.

نعم، جميع البشر متساوون تحت الشمس، ولهم جميعاً حق الهوية الجندريّة، وممارسة الحريات والتصالح مع الذات، لكن الحياة ليست ملونة إلى هذا الحد.