الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

منحوتة «مريم هنيدي».. الإنسان محورها

«مريم هنيدي».. نحَّاتة ليبية، تُشكِّل تلك الكتلة الصمَّاء المسماة «الطين» برؤية وأفكار مختلفة، نابضة بالحركة، مستوحاة من الحياة، الإنسان محور أعمالها، مرة مهزوم، ومرة أخرى يصارع هذه الحياة، والفن بالنسبة لها خيار وقرار ووعي بأهمية الفنون في المجتمعات، وإسهامها في إيجاد جيل واعٍ.

بعض منحوتاتها تقترب من الأسلوب التجريدي مثل منحوتة «عودة الروح»، وتأخذ شكل صخرة وترمز لها بالوطن القوي الصلب، أما بقايا الرصاص الموجود فوق تلك الصخرة، فهو الحرب التي ستنتهي، ونجني من بعدها الأزهار.

أما منحوتة «طوق النجاة»، والتي تقترب فكرتها من قوارب الهجرة غير الشرعية، فتحمل السؤال الأزلي: هو كيف يمكن للإنسان أن يصارع الموت، ويتمسك بالحياة من أجل البقاء.. هل هي غريزة البقاء لدينا؟


ويمثل النحت للفنانة مريم هنيدي الرؤية الفنية المرتبطة بالذاكرة والمحيط، وما تحمله من دوافع داخلية بمعضلات واقعية وفكرية مجتمعية، وتؤمن هنيدي بدور الفن في توعية وتوجيه المجتمع وتعديل سلوكيات أفراده، إضافة إلى تهذيب الذائقة الشخصية، والرفض لكل ما هو عنيف، والابتعاد عن كل ما هو تطرف وإرهاب، فالفنون تسهم في التوازن الذاتي للأفراد وبناء الشخصيات الناجحة، لذلك يجب الاهتمام بها في مجتمعاتنا.


وتستوحي مريم هنيدي أعمالها من البيئة المحيطة، وحسب قولها: لا يمكن أن تكون التجربة الفنية خارج المحيط وتأثيراته حيث تلتقط العين ما تشاهده في المحيط الخارجي، وتخزنه في الذاكرة بكل التفاصيل، ثم تتحول هذه التفاصيل إلى فكرة تتجسّد في تكوينات تجريدية في ملامح الوجوه.

تأخذ المرأة حيزاً في أعمالها، وهذا النزوع للتأنيث لا ينبع من مجرد تحيز للمرأة، بقدر ما هو التعبير عن القيود التي تُكبّل المرأة في المجتمعات العربية، فالمرأة لديها هي الجمال والقوة والمقاومة، وترفض صمتها واستسلامها، وهي أيضاً الكائن الذي يحمل الكثير من المعاني النبيلة، وتحتاج المرأة إلى فهم عميق كما أخبرتني هنيدي نفسها، لأنها تمثل الحياة والخصب والحب والاستمرار والعطاء، لذلك يصبح اشتغالها على هذه القيم بمثابة رسالة جميلة تحاول تمريرها للمتلقي.

وتسعى النحاتة مريم هنيدي في أعمالها إلى البحث عن الجمال المخفي، المتواري عن العين، وهي بذلك تمنح المتلقي فرصة ملاحقة ذلك الجمال بين زوايا العمل بعدة قراءات وتأويلات، وهذا ما يطمح إليه الفنان الحقيقي بإيصاله إلى المتلقي، ثم فتح باب النقاش حول العمل.