الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«المرحلة الخطرة»

يمر الإنسان في خط حياته بمراحل مظلمة، يدور فيها حول نفسه غير مكترث بالمحيطين به.. يفاقم الأمور في رأسه، ويتراءى له الناس بساقين ورأس أفعى، ثم يتفاعل مع رؤاه وأوهامه ويقوم هو الآخر بدفع شروره نحوهم.

وهكذا يجد نفسه في أخطر مرحلة من مراحل سيرته، لا يكف عن إلقاء الأحكام على الآخرين، ولا يتردد في إلقاء أي شتيمة دون أن يرتجف ضميره، ثم شيئاً فشيئاً تتحجر مشاعره، ويفقد روح التعاطف النبيل، ويقبض على ذاته شبح الغرور المرير.

وبعد أن تصفعه العذابات المتتالية، يستيقظ وقد آلمته الكدمات، يجد نفسه متثاقلاً ووحيداً، يتحسس العالم بشيء من اليأس والمرارة، حتى تستعيد روحه حيويتها وطهارتها مرة أخرى.

لا يتعلم الجميع من دروس الحياة، هناك الذين يتعاملون مع ضربات القدر على إنها لعبة ريشة، لا ضير لو اصطدمت برأسك ما دامت المراوغة هي سيدة الموقف.. يوغلون في الطريق المظلم بشيء من الثقة والخفة، وهؤلاء هم عادة الذين يمتلكون نفساً طويلاً في إدامة المؤامرات وإلحاق الأذى بسواهم، لكن نهايتهم ستأتي سيئة على مستوى الواقع والروايات أيضاً.

في كتاب «روائيون عظام ورواياتهم» إصدار دار المدى، يعرض الكاتب سومرست موم تفاصيل حياة أهم عشرة روائيين عظام من وجهة نظره، بين قصصهم المختلفة وجدتُ قصتين تمثلان المرحلة المظلمة التي أتيت على ذكرها.

فالأول هو العظيم تولستوي، الذي ينغمس في ملذاته وأنانيَّته حتى يتسبب بالأذى لكل أهل بيته، ثم تقوم زوجته بركله هي الأخرى بخيانات متتالية، فتنهض روحه من جديد، وتشع في أركان التاريخ، ليصبح الروائي الإنسان، الذي بذل كل ما عنده من أجل الناس، وفي حالة من التصوف المبهر يموت تولستوي مخلفاً مشهداً طهرانيّاً مهيباً.

في الجهة الأخرى، نشاهد بلزاك العبقري، والقادم من أصول متواضعة في القرن التاسع عشر، والذي ظلت عقدة «الرجل النبيل» تلاحقه حتى مماته.. بقي يدور مثل طاحونة حول نفسه، يطمس روحه بالشهوات واستغلال النساء الثريات، حتى ابتلع قلبه وأنهك روحه الحزينة بتطلعاته اللانهائية.

مات بلزاك وحيداً، بعد أن أوهمته إحدى النساء بثروتها، ثم تركته ينتظرها هناك إلى الأبد.