الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لماذا هاجر الشعراء العرب؟

رحل أخيراً في لندن ـ مدينة الضباب ـ واحدٌ من أشهر شعراء العراق وآخر فرسان الفكر الشيوعي في عالمنا العربي وهو الشاعر سعدي يوسف، وهو أيضاً رائد من رواد قصيدة النثر في الشعر العربي الحديث، ولا أدري ما هو السَّر في رحيل عدد كبير من الشعراء العرب خارج أوطانهم.. هل هو البحث عن الحرية أم الهروب من عصور القهر والاستبداد؟.. وعلى العموم فهكذا كان دائماً نصيب الشعراء العرب في كل العصور.

لقد تنقل المتنبي بين سيف الدولة في الشام ثم سافر إلي كافور مصر، وكلاهما بخل عليه بمنصب ضئيل حتي قُتل في العراق بسبب إحدى قصائده، وتنقل أبوالعلاء إلى أكثر من وطن وبقي سجين المحبسين.

وفي عصرنا الحديث اختار شعراء لبنان الكبار الرحيل عن وطنهم، أمثال: جبران خليل جبران، وإيليا أبوماضي، وميخائيل نعيمة، وإن كان أبوماضي قد عاش في مصر بعض الوقت.


وامتدت مواكب الهجرة إلى شعراء العصر الحديث فمات نزار قباني في لندن، ومات الجواهري في دمشق، وعاش أبوالقاسم الشابي وبيرم التونسي في مصر، وتنقل بدر شاكر السياب بين لبنان والكويت، وعاش الجواهري في مصر فترة قصيرة، ووفرت له سكناً مناسباً ولكنه اختار الرحيل لأسباب لم يعلن عنها، وبقي الشعراء العرب علي سفر خارج أوطانهم.


وهناك شعراء رفضوا الهجرة وعاشوا في أوطانهم ودفعوا ثمن البطش والطغيان، وإن كان أمير الشعراء أحمد شوقي قد عاش منفياً في إسبانيا أربع سنوات كاملة، وعاش الفيتوري متنقلاً بين مصر وليبيا والمغرب، ولا يزال هناك شعراء بعيدين عن أوطانهم، ومنهم: أدونيس وأحمد مطر.

وقد اختلفت أسباب الهجرة والرحيل.. فهناك من كان يبحث عن حياة كريمة هرباً من الفقر مثل: السياب وهناك من هرب من الاستبداد، مثل: الجواهري وسعدي ومطر وهناك نزار قباني الذي لم يجد وطناً يحتوي أحلامه فهاجر باحثاً عن الحرية.

إنها نماذج من الشعراء الكبار الذين عجزت أوطانهم أن توفر لهم الأمن والحرية والكرامة، فكان الرحيل أو الهروب أو السفر، وإن بقيت أوطانهم في انتظار عودة لا تجيء.

إن هجرة هؤلاء الشعراء لم تفصلهم عن أوطانهم فكراً ووجداناً، فقد حملت أشعارهم هموم الغربة والوحشة والأحلام والأماني في أن يعودوا يوماً إلى أوطانهم، وقد أصبحت أكثر حريةً وأمناً لأجيال قادمة.. إنها غربة الشعراء أكثر ما تعاني منه هذه النخبة من البشر، الذين كان قدرهم أن يحملوا هموم الأوطان وأحلامها.